للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يتبيّن بالفعل عدم الشرطية، وهو كثير في الشريعة. وذلك أن يفعل الشيء ويجتزئ به مع انعدام ما يظن شرطاً. كفعله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الجمعة قبل الزوال، فيعلم بذلك أن الزوال ليس شرطاً (١). وكإجرائه عقد البيع دون إشهاد، فيعلم أن الإشهاد ليس شرطاً لصحة البيع.

وقد استفاد بعض العلماء الشرطية من الفعل الذي لا قول معه، كما في تقدم الطواف لصحة السعي، قال النووي: "قال أصحابنا: يشترط كون السعي بعد طواف صحيح سواء أكان بعد طواف القدوم أو طواف الزيارة ... واستدل الماوردي بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سعى بعد الطواف. مع أنه قد قال - صلى الله عليه وسلم -: "لتأخذوا عني مناسككم" وبإجماع المسلمين. قال: وشذ الجويني فقال في كتابه "الأساليب": قال بعض أئمتنا: لو قدّم السعي على الطواف اعتدّ بالسعي. قال النووي: وهذا النقل غلط ظاهر، مردود بالأحاديث الصحيحة وبالإجماع الذي قدمناه عن نقل الماوردي والله أعلم" (٢).

أقول: وقد نقل عدم الشرطية في ذلك عن عطاء، ونقل عن أحمد بن حنبل: يجزئه إن سعى قبل الطواف ناسياً. واختار صاحب المغني (٣) إنه شرط، واحتج بالفعل النبوي مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لتأخذوا عني مناسككم".

فإن ثبت الإجماع فهو حجة. وإلا فإن الحديث لا يدل على الوجوب كما تقدم. والشرط هنا من الواجب. ولهذا فإن القول بالاشتراط في هذه المسألة خارج عن القاعدة الأصولية. والله أعلم.

ومثله قول من قال باشتراط جعل البيت عن يسارك في الطواف:

يقول النووي: الترتيب عندنا شرط لصحة الطواف بأن يجعل البيت عن ويطوف عن يمينه تلقاء وجهه. فإن عكسه لم يصح، وبه قال مالك وأحمد


(١) في حديث سلمة عند أبي داود: كنا نصلي الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فيء.
(٢) المجموع ٨/ ٨١
(٣) ابن قدامة: المغني ٣/ ٣٩٠

<<  <  ج: ص:  >  >>