للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذا يتبيّن أن لكل متعلق من المتعلقات الثمانية حكمه المنفرد، ثم قد تتفق تلك الأحكام أو تختلف.

المسألة الثالثة: أن القصد أمر قلبي، ثم قد يعلم إذا دلت عليه الأدلة القولية أو الحالية، وقد يكون خفياً فيستدل عليه بالأمارات. ويستعان لذلك بالأصول التي نذكرها في ما يأتي.

المسألة الرابعة: الأصل التأسّي في المتعلق الذي نعلم أنه مراد، أو غلب على الظن إرادته بأمارة، فإنه يعتبر في التأسّي. ولا يصح التأسّي فيما علم أنه غير مراد من جهة الشرع. وأما ما لم تعلم إرادته ولم يغلب على الظن إرادته، فيختلف باختلاف نوع المتعلق. وسيتبين أن الأصل في بعضها الاعتبار، وفي بعضها عدم الاعتبار.

المسألة الخامسة: ما كان من المتعلقات اتفاقياً، وقد تعلق به الفعل مصادفة دون قصد أصلاً، فهو أبعد ما يكون عن الاعتبار في التأسّي. ولا يجوز إدخاله في التأسّي وقصده في العبادة أو غيرها. ويقول ابن تيمية: "متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في فعله بأن نفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعله. فإذا قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - العبادة في مكان، كان قصد العبادة فيه متابعة له كقصد المشاعر والمساجد. أما إذا نزل في مكان بحكم الاتفاق، لكونه صادف وقت النزول، أو غير ذلك مما يعلم أنه لم يتحرّ ذلك المكان، فإنا إذا تحرّينا ذلك المكان لم نكن متبعين له، فإنما الأعمال بالنيات" (١).

ويقول: يجب الفرق بين الاستنان به - صلى الله عليه وسلم - في ما فعله، وبين ابتداع بدعة لم يسنّها، لأجل تعلقها به (٢).

ونحن نرى أن مما يندرج تحت هذه القاعدة المثالين الآتيين:

الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حج حجة الوداع، فوافق وقوفه بعرفة يوم الجمعة.


(١) اقتضاء الصراط المستقيم ص ٣٨٧
(٢) اقتضاء الصراط المستقيم ص ٣٨٩

<<  <  ج: ص:  >  >>