للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا النوع -وهو إثبات السببية بقول الصحابي- هو في الحقيقة- راجع إلى طريقة أو أكثر من الطرق الأخرى المذكورة في هذا المبحث، لأن الصحابي يفهم السببية أولاً، ثم يعبر عنها. وطريقة فهمه لها راجعة إلى طريق من الطرق المذكورة ولا شك.

إلا أن قوله بالنسبة إلينا طريق، من حيث الجملة.

ويحتمل أن الصحابي ظنَّ ما ليس بسبب سبباً. ولكنه احتمال ضئيل لا يصح الذهاب إليه، ما لم يتبيّن أن الصحابي كان في فهمه ذاك مخطئاً (١).

وأمثلة هذا النوع كثيرة، كقول جابر بن عبد الله في ميعاد صلاة العشاء: "كان - صلى الله عليه وسلم - إذا رآهم اجتمعوا عجّل، وإذا رآهم أبطأوا أخّر" (٢) فعُرف بذلك سبب تعجيله - صلى الله عليه وسلم - العشاء وسبب تأخيرها.

وقول عائشة: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان جنباً وأراد أن يأكل أو ينام توضأ" (٣). فبينت أن الأكل والنوم على الجنابة سببان لوضوئه.

وقولها: "كان إذا دخل العشر شدّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله" (٤). فبيّنت أن سبب الاجتهاد في العبادة عشر رمضان الأخير.

وقول ابن عباس: "ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بالمدينة بين الظهر والعصر، وجمع بين المغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر. (٥) فسئل: ما أراد إلى ذلك؟ فقال: "أن لا يحرج أحداً من أمته" (٦). فإنه يدل على أن الجمع منوط بالحرج.

الطريقة الخامسة: أن يعرف السبب بالاستنباط. وذلك إما بالسّبْرِ والتقسيم أو بالمناسبة، أو بالدَّوَران.


(١) انظر تيسير التحرير ٤/ ٤٠
(٢) متفق عليه (نيل الأوطار ٢/ ١٣)
(٣) رواه أحمد ومسلم (نيل الأوطار) ٢/ ٢٣٥
(٤) رواه مسلم ٨/ ٧٠ ورواه البخاري.
(٥) رواه الجماعة (جامع الأصول ٦/ ٤٥٩)
(٦) انظر فتح الباري ٢/ ٢٤

<<  <  ج: ص:  >  >>