للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان القرآن قال: "فهمت أن أقوم ولا أسأل عن شيء حتى أموت" (١).

لقد تمثّلت في النبي - صلى الله عليه وسلم - خصائص المنهج الرّبّاني في الحياة البشرية كما تمثّلت في حياته تفاصيل ذلك المنهج، فالذي شاهد حياته وأفعاله - صلى الله عليه وسلم - فقد شاهد ذلك المنهج، ومن قبس منه، فقد قبس من النور الذي أرسله الله لهداية البشر. ومن هنا نعلم وجه وصفه بالسراج في الآية التي حددت مهماته - صلى الله عليه وسلم -، إذ قال الله عز وجل: {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً * وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً} (٢).

إن مشاهدة الناس للمبادئ القرآنية متمثّلة في الواقع الأرضي البشري، يعطي لهم دفعات من الثقة والتصديق بذلك المنهج، لأنهم يرونه بعيونهم متحققاً، فيُسارعون إلى تطبيق تلك المبادئ، اقتداءً بمن رأوها متمثلة فيه. ولو أن القرآن نزل مجرداً عن رسول حامل له ممثِّل لما فيه، لتعوّقت كثير من النفوس عن امتثاله، توهّماً أن ذلك أمر صعب المنال، أو لا يمكن تحقيقه في واقع الحياة.

هذا وإن الذين شاهدوه - صلى الله عليه وسلم - بأعينهم، تأثّروا به، وتعلّموا منه على أتم ما يمكن من أحوال هذه الطريقة.

ولكن الذين لم يشاهدوه يتيسّر لهم الاطلاع على أفعاله وأحواله بما نقل إليهم عن طريق الذين شاهدوه، ويكون هذا الاطلاع وسيلة قريبة من المشاهدة، تؤدي إلى ثمارٍ قريب من ثمار المشاهدة. فهو قدوة متجددة حيثما ذكرت سيرته وأخباره وأحواله - صلى الله عليه وسلم -.

وقد تمثّلت فيه - صلى الله عليه وسلم - صور متنوعة، كل منها يوضّح للبشر كيف يكون الملتزم بالمنهج الرباني في ناحية معينة من نواحي الحياة.

فالعالم يرى في محمد - صلى الله عليه وسلم - الصورة السامية المثاليّة للعالم، والعابد يرى فيه


(١) الحديث بأتم من هذا. رواه مسلم ٦/ ٢٦ وأحمد وأبو داود.
(٢) سورة الأحزاب: آية ٤٥

<<  <  ج: ص:  >  >>