الأول: ما تقدم عن القاضي عبد الجبار من أن اعتبارهما تضييق وتحجير في التأسّي. فينبغي إلغاؤهما ليتسع الحكم.
الثاني: أن الزمان والكان ظرفان للأفعال، ولا بد لكل فعل مهما كان، من أن يقع في زمان ومكان. ولا شك أن الذي يقصد اعتباره من ذلك هو الأقل، فيجب بيانه. ويبقى الأكثر وهو غير المعتبر.
الثالث: أن يقال: إن تخصيصنا للمكان أو الزمان بناء على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل فيه، إما أن يكون لخاصية نشأت من إيقاعه - صلى الله عليه وسلم - العمل فيه وإما لخاصية موجودة فيه قبل أن يفعل فيه - صلى الله عليه وسلم - فعله.
فأما الاحتمال الأول فقد تقدم إبطاله في المطلب الخاص بسبب الفعل.
وأما الثاني وهو أن يكون في الظرف خاصيّة تقتضي تخصيصه بالعبادة، فلا يصح بناء الأحكام الشرعية عليه، لوجهين:
أولهما: أن احتمال وجود الخاصية المذكورة معارض باحتمال عدم وجود خاصية أصلاً، وأن وقوع الفعل في ذلك الظرف طرديٌّ محْض كتغيُّم السماء وصحوها، وخاصة إذا خلا من المناسبة، كما في عقد النكاح في شوال والدخول فيه.
وثانيهما: أن البناء على مجرد احتمال الخاصيّة لا يصلح ولا بد من بيان ذلك بالقول أو غيره. أما مجرد إيقاع الفعل في الظرف فلا يكفي بياناً، لما تقدم من أن الظرف ضروري للفعل من حيث هو فعل.
ولا تبنى الأحكام الشرعية إلا على علم أو ظن، ناشئ عن دليل.
فالقاعدة إذن عدم اعتبار المكان والزمان في التأسّي، إلا بدليل خاص يدل على ذلك. والله أعلم.