للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولنضرب المثال بسجوده - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة. فإنه يتحقق بوضع الرأس على الأرض لحظة لا يطمئنّ فيها (١)، وكان - صلى الله عليه وسلم - أحياناً يخففه مع الطمأنينة وأحياناً كان يطيله جداً.

فأما القدر الأول فهو واجب لا شك في ذلك، وهو مجمع عليه، إذ لا يتحقق المأمور به إلاّ بذلك.

وأما القدر الثاني، وهو قدر الطمأنينة فقد اختلف فيه، فقال أبو حنيفة بأن الطمأنينة في الركوع والسجود غير واجبة، أخذاً بالأمر {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا}.

وقال الحنابلة والشافعية: الطمأنينة واجبة، بدليلين.

الأول: الفعل النبويّ، فإنه وقع تفسيراً للسجود الواجب، فيدل على أنها مرادة بالأمر. وقد حافظ - صلى الله عليه وسلم - على الطمأنينة فلم يتركها مرة واحدة.

والثاني: حديث المسيء صلاته، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "اسجد حتى تطمئن ساجداً" (٢).

والقول الثاني، وهو قول الحنابلة والشافعية، ارجح، لأن هذه قرائن تدلّ على أنه - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك على سبيل الوجوب، وقاعدة التأسّي تنتج أنه واجب علينا أيضاً، هذا إن اعتبرناه فعلاً مجردّاً. فأما إن اعتبرناه بياناً للأمر فالوجوب أظهر.

وأما القدر الثالث: وهو إطالة السجود بما يزيد على القدر الذي تتحقق به الطمأنينة، فهذا لا يدل على وجوبه دليل. بل هو مستحبّ أخذاً من قاعدة الاستحباب في الفعل المجرّد الذي قصدت به القربة.

والذي نستنتجه من ذلك أنه ينبغي أن ينظر لطول الفعل وقصره نظرة


(١) انظر ابن قدامة: المغني ١/ ٥٠٠
(٢) حديث المسيء صلاته، رواه البخاري ١١/ ٥٤٩ والترمذي ٢/ ٢٠٨ وقال هذا حديث حسن صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>