للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقواله - صلى الله عليه وسلم - لم تكن موضع شك منذ البداية، أما الأفعال فإنما اتّخذ فيها مثلاً أعلى رَغمْاً عن أن شريعته لا تدل على ذلك.

ونحن سنثبت -إن شاء الله- حجية أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الفصل الثالث من الباب الأول. ولن نرد على ما في كلامهما من الباطل الذي دعاهما إليه الكفر. ولكن يهمنا هنا إثبات أنه - صلى الله عليه وسلم - جُعِل الصورة المقتدى بها في الدين، وأن بملاحظة أفعاله يحصل تعلم الدين، وأنه كان المثل الأعلى للبشر في حدود البشرية من جهة الدين، وأن ما أشار إليه جولد تسيهر وزاغ عنه، وهو قوله تعالى في الأخلاق والعبادة والمعاملة: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} دليل في ذلك. وسياق الآية في الثبات في الحرب، لا في مجرد العبادة.

وحتى الآية التي كفر بها جولد تسيهر، فيها أن الله أرسل نبيه {سراجاً منيراً}، والسراج يضيء من داخله.

وقد جاء ثلاثة رهط إلى أبيات النبي - صلى الله عليه وسلم -، يسألون عن عبادته لربه، فأخبروا بها، فكأنهم تقالُّوها. فقالوا: وأين نحن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فالتزم بعضهم أن لا ينكح النساء، والآخر أن يصوم ولا يفطر، والثالث: أن يقوم فلا ينام. فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقولهم، فقال: "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له. لكني أصوم وأفطر، وأقوم، وأنام، وأتزوّج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني" (١). فلم ينبّههم إلى الحق بذكر آية، أو تبليغ وحي، وإنما نبّههم إلى فعل نفسه، وإلى ما يلتزم به، وأن من ناقَضَ مقتضى الاقتداء به في ذلك، فليس على شريعته.

وأمر آخر يدل على المطلوب دلالة واضحة، وهي أن الله تعالى قصّ علينا في كتابه قصص أنبيائه والصالحين من عباده. وإنما قصّهم ليكونوا عبراً ومُثُلاً تحتذى، كما في توبة آدم، ودعوة شعيب، والتزام إبراهيم، ووصية يعقوب لبنيه بالتوحيد، وعفة يوسف، واستغفار يونس، وطاعة إسماعيل، وقوة موسى، وعبادة مريم،


(١) بمعنى رواية البخاري (فتح الباري. ط مصطفى الحلبي ١١/ ٤) ورواه مسلم ٩/ ١٧٦

<<  <  ج: ص:  >  >>