وأشار إلى ذلك أيضاً صاحب تيسير التحرير، فإنه قال: إن إفادة (كان يفعل) التكرار أكثرية لا كلية.
وعندي أن إفادة (كان يفعل) للمرة الواحدة، حق، ولكن في بعض الواقع دون بعض. فإنا قد ذكرنا أن المضارع المجرّد من (كان) قد يدل على المرة إن كان الفعل مستمراً إلى زمن التكلم، فإذا دخلت عليه (كان) أفادت ذلك الاستمرار في الزمن الماضي إلى لحظة معينة من الماضي. ومثاله أن تقول (الخطيب يتكلم الآن على المنبر) فإذا أردت نقل ذلك إلى الماضي مع استمرار الفعل إلى وقت معين، تقول مثلًا:"دخلت المسجد وكان الخطيب يتكلم".
فهذا استعمال آخر غير الاستعمال الأول، ولكل منهما موضعه، ولا يتوارد الاستعمالان على موضع واحد.
وعلامة هذا النوع أن يذكر أمر كالدخول في المثال السابق، ويكون الفعل سابقاً له مستمراً إليه. فما عدا هذا النوع تكون دلالته على التكرار كلية لا أكثرية فقط.
فهذا توضيح لما في كلام ابن دقيق العيد من الإجمال.
ومن هذا يتبيّن أيضاً أن بعض المؤلفين (١) في الحديث النبويّ يخطئون حين ينقلون الحديث الفعلي بعبارة (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل كذا أو يقول كذا) من أصل ليس فيه إلا (فَعَل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا)، لما بين العبارتين من الفرق في المعنى، وقد علم أن من شرط الرواية بالمعنى التساوي بين اللفظين في معنييهما.
(١) انظر مثلًا كتاب "صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -" ط ٧ ص ١٢٦ الحديث: كان أحياناً يرجع صوته كما فعل يوم فتح مكة، ص ٧٦: "وكان يقول: إنما الأعمال بالنيات، ص ٧٧" كان إذا مرض رفع أبو بكر صوته بالتكبير حتى يسمع من خلفه، وليس شيء من ذلك في الأصول، إنما فيها (رجع)، (قال) (رفع) بدون كان.