للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول: "إن كان الفعل المندوب مظنّة لاعتقاد الوجوب، فبيانه بالترك، أو بالقول الذي يجتمع إليه الترك". اهـ.

وسواء أكانت هذه المظنّة المشار إليها ناشئة عن دليل آخر قوليّ أو فعلي يظن عمومه أو إطلاقه، أو عن غير دليل.

وإذا ورد الأمر في القرآن أو السنة القولية، أو فهم الوجوب من الفعل النبويّ، ثم ترك - صلى الله عليه وسلم - ذلك مطلقاً أو في حال ما أو لسبب ما، علم نسخ الأول أو تخصيصه، أو حمله على الاستحباب دون الوجوب، على ما سيأتي تفصيله في باب التعارض إن شاء الله.

وإذا فرّق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين بعض العبادات وبعض، ففعل في نوع من أشياء واظب عليها، وترك تلك الأشياء في نوع آخر، فإنه يتبع في ذلك، ويكون الترك كالنص على أنه لا يفعل.

ونضرب لذلك مثالين:

الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يؤذن له للصلوات الخمس، ولكن لا يؤذّن لصلاة العيد، ولا لصلاة الخسوف، ولا لصلاة الاستسقاء.

أما صلاة العيد، ففي حديث ابن عباس: "لم يكن يؤذَّن يوم الفطر، ولا يوم الأضحى" (١). وعن ابن عباس أيضاً: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلّى العيد بغير أذان ولا إقامة" (٢).

ومثله حديث جابر: "لا أذان يوم الفطر حين يخرج الإمام، ولا بعدما يخرج الإمام، ولا إقامة، ولا نداء، ولا شيء".

فأجمع الفقهاء (٣) على أن صلاة العيد لا يؤذَّن لها ولا يقام. ويقول ابن تيمية: "ترك رسول الله للأذان في العيدين، مع وجود ما يعدّ مقتضياً، وزوال المانع، سنة، كما أن فعله سنة.

قال: "فلما أمر بالأذان في الجمعة، وصلّى العيدين بلا أذان ولا إقامة، كان


(١) البخاري ٢/ ٤٥١
(٢) رواه أبو داود (الفتح ٢/ ٤٥٢).
(٣) ابن دقيق العيد: الإحكام ١/ ٣٣٠ وقال ابن قدامة في المغني (٢/ ٣٧٨) أنه لا يعلم في ذلك خلافاً ممن يعتد به.

<<  <  ج: ص:  >  >>