للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: "ومن الممتنع أن يفعل ذلك ولا ينقله عنه أحد".

وقد قال بهذه النظرية أيضاً: ابن دقيق العيد. فقد ذكر حديث أبي هريرة في سجود السهو، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سجد للسهو ثم سلّم". قال ابن دقيق العيد: "لم يذكر التشهّد بعد سجود السهو. وفيه خلاف عند أصحاب مالك في السجود الذي بعد السلام. وقد يستدل بتركه في الحديث على عدمه في الحكم، كما فعلوا في مثله كثيراً، من حيث إنه لو كان لذكر ظاهراً" (١).

وذهب إلى ذلك ابن رشد أيضاً. فقد نقل إنكار مالك لشرعية سجود الشكر، بأنه لم يسمع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله. ثم قال ابن رشد:

"استدلاله على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل ذلك ولا المسلمون بعده بأن ذلك لو كان لنقل، استدلال صحيح، إذ لا يصحّ أن تتوفر دواعي المسلمين على ترك نقل شريعة من شرائع الدين، وقد أمروا بالتبليغ" (٢).

قال: "وهذا أصل من الأصول، وعليه يأتي إسقاط الزكاة من الخضر والبقول مع وجوب الزكاة فيها بعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فيما سقت السماء والعيون، والبعل، العشر، وفي ما سقي بالنضح نصف العشر". لأنا نزّلنا ترك نقل أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - الزكاة منها كالسنة القائمة، في أن لا زكاة فيها، فكذلك يُنزَّل ترك نقل السجود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشكر كالسنّة القائمة في أن لا سجود فيه". اهـ.

والحاصل أنّ من نقلنا عنهم -ابن القيم، وابن دقيق العيد، وابن رشد- وغيرهم كالشاطبي، يثبتون هذه القاعدة، وهي أن (ترك النقل هو نقل للترك) بدليل أنه - صلى الله عليه وسلم - لو فعل الفعل الشرعي لتوفّرت هممهم ودواعيهم على نقله، لأنهم أُمروا بالتبليغ.

لقد ذكر ابن القيم اعتراض من اعترض على هذا التلازم بقوله:

"إن قيل: من أين لكم أنه لم يفعله، وعدم النقل لا يستلزم نقل العدم؟ " (٣).


(١) الإحكام ١/ ٢٦٠
(٢) الموافقات للشاطبي ٢/ ٤١٣
(٣) إعلام الموقعين ٢/ ٢٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>