للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بعضهم: يحتمل التوقف.

وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي: "يجوز لنا أن نحكم في نظيرها".

وقد بيّن ابن عقيل (١) وجه تجويز القاضي لذلك، وحاصله أنه - صلى الله عليه وسلم - ربما يكون قد سكت محيلاً لنا على بيان آخر، بأن يكون قد حكم في مسألة أخرى مشابهة، ويكون سكوته من تفويضه إلى الحاضرين استخراج الحكم بالاجتهاد.

ووافق ابن عقيل على ذلك في حالة واحدة، هي عنده جائزة، وهي أن يكون له - صلى الله عليه وسلم - حكم في نظيرها يصحّ استخراجه من معنى نطقه. واشترط أن يكون ذلك قياساً جلياً "في قوة ألفاظ النصوص".

فإن لم يكن كذلك فلا وجه عنده لطلبنا الحكم مع إمساكه - صلى الله عليه وسلم - عنه.

واستدلّ بأن الحكم الذي نطلبه بالقياس أو غيره من الأدلة الاجتهادية لتلك الواقعة، إما أن يكون - صلى الله عليه وسلم - قد علمه، وتركه، وذلك ممتنع، لأنه من تأخير البيان عن وقت الحاجة، وإما أن يكون غير عالم به. وذلك غير جائز، "إذ لو أراد الله بيانه لما طواه عن نبيه وأوقع الأمة عليه من غير طريقه"، فلا يبقى إلا أنه لا حكم في المسألة شرعيّاً، وذلك يمنع من طلب حكم شرعي لنظائر تلك الحادثة.

وعندي أن كلام القاضي أصوب. فقد ذكرنا قبل هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد يترك الحكم في أمر من الأمور لمانع شرعي. وقد ذكرنا تلك الموانع. فإذا علمنا ذلك المانع، وعرفنا زواله، جاز أن نحكم فيه. ومثالها نقض الكعبة وإعادة بنائها على قواعد إبراهيم. تركه النبي - صلى الله عليه وسلم - لحداثة عهدهم بالإسلام، فلمّا زال ذلك السبب، جاز أن يُفعل ذلك.

ومثاله أيضاً تركه الاستخلاف، وتركه تحديد قوم للشورى، لما حصل عنده من التنازع، فاستخلف أبو بكر عمر. وجعل عمر الأمر بعده في أهل الشورى.

وكذلك ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الحكم على المعترف بالزنا لأول مرة، والثانية، والثالثة. يقول الشافعية والمالكية: بأن الاعتراف بالزنا مرة واحدة موجب للحد.


(١) المسودة لابن تيمية ص ٣٤٥

<<  <  ج: ص:  >  >>