وقد يكون الإقرار كفاً عن الفعل، لأن بعض الأفعال يمكن إنكارها بالفعل.
ومن أجل ذلك فلا نرى من الصواب تعريف الإقرار بـ (السكوت عن الإنكار ... إلخ) لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد يسكت عن إنكار المنكر بلسانه ولكن يغيّره بيده، فلا يقال إنه قد أقرّه. وقد أزال ابنَ عباس عندما قام في الصلاة عن يساره فأقامه عن يمينه، ورأى رجلين يطوفان بالبيت وبينهما زمام فقطعه.
والأولى أن يقال في تعريف الإقرار إنه (كف النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإنكار على ما علم به من قول أو فعل).
والتقرير على الشيء لا يرادف الرضا به. بل ما تضمّن الرضا والموافقة فهو تقرير يحتج به، وما لم يتضمنه فهو تقرير لا يحتج به. فالتقرير حجة إذا وجدت شروط الاحتجاج به وانتفت الموانع، وليس حجة في ما عدا ذلك.
التقرير فعل من الأفعال:
وذلك من حيث إنه كفّ عن الإنكار، والكفّ فعل كما تقدم، أما الترك العدمي فلا يكون تقريراً، وذلك كعدم نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن أشياء لم يعلم بها مما حدث في غير مكانه، أو بعد زمانه.
والذين جعلوا التقرير قسيماً للأقوال والأفعال، فليست طريقتهم في ذلك مرضيّة. وإنما تجري على قول من أبى أن يعتبر الكفّ فعلاً من الأفعال.
أهمية التقرير في البيان والتعليم:
سبق أن أشرنا في أوائل الباب الأول إلى ميزة التقرير في البيان والتعليم.
ونعيد شيئاً من ذلك هنا مع زيادة بيان. فنقول: إن البيان والتبليغ بالقول قد لا يحصل به التبيُّن الكامل، فيحتاج المبلّغ إلى أمثلة عمليّة مطابقة للوجه المشروع، فأرسل الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - عاملاً بكتاب الله، ليكون عمله أنموذجاً يحتذى.
ثم إن السامع للبيان القولي، والمشاهِدَ للعمل النموذجيّ، قد يتخيّل في