الشرط الثاني: قال ابن الحاجب: أن يكون قادراً على الإنكار.
ويستدل له بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه". فهو يدل على سقوط الإنكار باليد واللسان عند العجز عنه. ولرخصة الله تعالى في قوله:{إلاّ من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} فرخّص في النطق بكلمة الكفر، فالسكوت أولى بالجواز.
وقد قال الباقلاني وتابعه الزركشي، بأن وجوب إنكار المنكر لا يسقط عنه - صلى الله عليه وسلم - بالخوف على نفسه، لدليلين:
الأول: أن الله ضمن له النصر والظفر، وكفاه أعداءه بقوله:{إنا كفيناك المستهزئين}.
الثاني: أن تركه الإنكار خوفاً، يوهم الجواز ونسخ النهي.
وقد سبق أن تكلمت في شأن عصمته - صلى الله عليه وسلم - من أذى الناس، وذكرت أن آية العصمة متأخرة في العهد المدني، وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يُحْرس قبل ذلك حتى نزلت. وأما كفاية المستهزئين فهي خاصة بهم وليست عامة في من يخاف منه.
ولذلك يظهر لنا أن هذا الشرط معتبر في الإقرار في أوائل العهد المدني. أما في العهد المكّيّ فلم يتبعه - صلى الله عليه وسلم - إلا خُلّص المؤمنين، فلا خشية منهم. وأما بعد نزول آية العصمة فلا. وأما في العهد المدني قبل نزولها فيمكن تحقق الخشية من جهة بعض من مردوا على النفاق من أهل المدينة.
وإنما يعتبر هذا الشرط بقدره، وحيث يتحقق لخوفه - صلى الله عليه وسلم - على نفسه وجه. والأصل عدم الخوف. والله أعلم.
وأما استدلال الباقلاني بأن ترك الإنكار خوفاً يوهم الجواز، فإن الإمارات لا يخفى على الحاضرين، لو حصل شيء من ذلك. فلا يتحقق ما ذكر. والله أعلم.
الشرط الثالث: أن يكون المقرّ منقاداً للشرع، بأن يكون مسلماً، سامعاً مطيعاً. أما إن كان كافراً، فإن تقريره لا يدلّ على رفع الحرج. وقد أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود والنصارى على بِيَعهم وكنائسهم وعلى عبداتهم ورتبهم الكنسية، وبعض