للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن المعصية لها من حيث تأثير الإنكار فيها درجات.

الأولى: أن تزول بالإنكار ويخلفها الطاعة.

الثانية: أن تقلّ وإن لم تزل بجملتها.

الثالثة: أن يخلفها ما هو مثلها.

الرابعة: أن يخلفها ما هو شرّ منها.

فالإنكار في الأولى والثانية مشروع، وفي الثالثة موضع اجتهاد، وفي الرابعة محرم (١)، كفاسق باغ، لو ترك شرب الخمر واللعب بالقمار لانصرف إلى القتل، فلا يجوز نهيه.

وهذا واضح في حق إنكار غير النبي - صلى الله عليه وسلم -.

أما في حقه هو، فقد اختلف العلماء على قولين:

أولها: أنه كغيره فلا يجب عليه الإنكار، وهو قول المعتزلة، نسبه إليهم السمعاني في (القواطع) (٢)، فلا يكون إقراره حجة، إذا علم من حال المقَرّ أنه يغريه الإنكار.

ثانيهما: أنه يجب عليه الإنكار، ولو علم ذلك، ليزول بالإنكار توهم الإباحة. ومن هذا الوجه يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - مخالفاً لغيره، وقال به الباقلاني (٣) ورجحه السبكي والبناني (٤) ونسب إلى الأشعرية.

الشرط السادس: اختلف في أن تكليف المقَرّ شرط أم لا. وقال البناني: "لا يقر النبي - صلى الله عليه وسلم - أحداً على باطل. والظاهر دخول غير المكلف. لأن الباطل قبيح شرعاً. وإن صدر من غير المكلف، ولا يجوز تمكين غير المكلف منه وإن لم يأثم به، ولأنه يوهم من جهل حكم ذلك الفعل جوازه" (٥).


(١) ابن القيم: أعلام الموقعين ٣/ ١٥، ١٦ وانظر أيضاً: القرافي: الفروق ٤/ ٥٥ م.
(٢) ق ٩٦ ب.
(٣) المحقق لأبي شامة ٤١ أ.
(٤) شرح جمع الجوامع ٢/ ٩٦
(٥) حاشيته على شرح جمع الجوامع ٢/ ٩٥

<<  <  ج: ص:  >  >>