للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجماعة" (١) فهو مأخوذ من الدلالة القولية. وهو استدلال صحيح، والنظر إنما هو في التعارض بينه وبين غيره من الأدلة.

الطريق الثانية: إن يحول بينه وبين الفعل حائل جعله يترك الفعل بعد أن عالجه. وهذا النوع هو الذي قال فيه الشافعي ما قال، واعتبره حجة. ذكر ذلك في باب صلاة الاستسقاء من (الأم) كما تقدم. فجعل قلب الرداء أعلاه أسفله سنة.

وقد أبى ذلك جمهور الفقهاء في هذا الفرع. منهم المالكية والحنابلة (٢). وانفصل ابن قدامة عن دلالة الحديث باحتمال خطأ الراوي. وأنه يبعد أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك ذلك في جميع الأوقات لثقل الرداء.

ومن أمثلته أيضاً حديث: " أنه - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بضبٍّ محنوذ فأهوى بيده ليأكل، فقيل: أخبِروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يريد أن يأكل. فقيل: ضب. فرفع يده" (٣). ففيه دلالة على جواز الإقدام على أكل ما لا يعرفه، إذا لم يظهر فيه علامة التحريم.

قولنا في ذلك: إن هذا النوع عندنا أعلى من النوع الذي قبله، لأن المانع خارجيّ، والمباشرة قد وقعت. فالقول بأنه من أقسام السنة لا يستبعد.

والتفريق بين النوعين واضح. فإن هذا النوع في حقيقته من أقسام العزم. والعزم أعلى أنواع الهمّ. وينبغي حمل كلام الشافعي على هذا النوع خاصة، خلافاً للزركشي الذي جعل مذهب الشافعي أن الهمّ مطلقاً من السنة.

ولا يعني هذا أننا نأخذ بما قال الشافعي رضي الله عنه من القول بتنكيس الرداء، وذلك لما قاله ابن قدامة، ولما ورد في الحديث: "فحوّل الناس أرديتهم". فإذا كان الصحابة رضي الله عنهم، الحاضرون معه في تلك الصلاة تابعوه فتركوا ما هم به وتركه، فأولى أن يتابعه من بعدهم. ولعلّ هذا الفعل خاصة كان مطلوباً على الصفة التي فعلها هو - صلى الله عليه وسلم -. والله أعلى وأعلم.


(١) المصدر نفس ٢/ ١٢٥
(٢) ابن قدامة: المغني ٢/ ٤٣٥
(٣) البخاري ٩/ ٥٤٢

<<  <  ج: ص:  >  >>