للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النفسية يمكن تحصيلها بالدُّربة والتعلم والتخلّق. فالجود والشجاعة والحياء والغيرة والنخوة وشدة البطش واللطف والعنف، ونحو ذلك، وإن كان بعضها جبلياً، كما يلاحظ في الفروق بين الأطفال، إلا أن المران والتعليم والتدريب العملي، كافية لإحيائها في النفوس، أو تعديلها إن كانت موجودة على وضع منحرف. والنفوس بطبعها مجبولة على تقبّل ذلك التعليم. وكما هو ملاحظ في التدريب البدنيّ العضليّ أنه يكسب العضلات قوة ومتانة، ويعطيها استعداداً لمواجهة الأمور الحيويّة بكفاءة أكثر، فكذلك القوى النفسية، هي مهيأة لذلك. فإن اعتنُي بها نبتت ونمت، وإلاّ ضعفت وماتت. وفي حديث أبي سعيد: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأشَجّ عبد القيس: إن فيك خصلتين يحبّهما الله: الحلم والأناة. قال: يا رسول الله، أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال: بل الله جبلك عليهما" (١). فإن جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - يفهم منه أن هاتين الخصلتين يمكن أن يتخلق الإنسان بهما.

وربما كان مقصود ابن عبد السلام ما ذكره الشاطبي من أن الصفة، كالعلم، وإن لم تكن مكتسبة، إلا أن مقدماتها التي تنتجها، كالنظر والبحث يمكن أن تكون مكتسبة.

فهذا يمكن أن يسلّم.

ونبني عليه فنقول: إن أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - قد أثنى الله تعالى عليها بقوله: {وإنك لعلى خلق عظيم} (٢)، وكثير منها لم يكن سعى لتحصيله، بل جبله الله تعالى عليه. فالاقتداء به ليس من قبيل الاقتداء بالفعل، وهو مع ذلك مطلوب بأن يتخلق المسلم بما كان خلقاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كالجود والحياء والشجاعة.

ودليل طلبها، ما ذكرته من ثناء الله تعالى على خلقه، فهو تنبيه على التخلق بمثله. ومن أدلته أيضاً قوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} فإنها في كل شؤونه - صلى الله عليه وسلم -، لا في أفعاله خاصة.


(١) أبو داود ١٤/ ١٣٦ وهذا لفظه وأصله عند مسلم ١/ ١٩٢ والقصة بأتم من ذلك في مسند أحمد ٤/ ٢٠٦
(٢) سورة القلم: آية ٥

<<  <  ج: ص:  >  >>