هذه مسألة مهمة ينبني عليها كثير من الاختلاف الفقهي، في الفروع التي خالف فيها فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - قولَه.
والأغلب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أمر بفعل أو نهى عن فعل، يكون أول العاملين بمقتضى قوله، لقوله تعالى:{قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين}. ولأن اتفاق القول والفعل يؤكّد البيان ويقوّيه ويثبّته، كما تقدّم في أوائل هذه الرسالة.
ويستثنى من هذا الأصل ما كان من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، فقد يترك ما أَمَر به، أو يفعل ما نهَى عنه، إن كان له في ذلك حكم خاصّ، كما تقدم في فصل الخصائص.
فالغالب اتفاق قوله وفعله - صلى الله عليه وسلم -.
ولكن قد وردت مواضع كثيرة في السنة النبوية يخالف فيها القولُ الفعلَ. ولما كان قوله في الأصل دليلاً شرعياً، وكان فعله دليلاً شرعياً كما تقدم إثباته، فإن الاختلاف بينهما له أثره القوي في باب الاستدلال على الأحكام الشرعية.
أمثلة على اختلاف القول والفعل:
الأمثلة على ذلك في الشريعة كثيرة، منها أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن استقبال القبلة واستدبارها بالبول أو الغائط، واستدبرها هو. ومنها أنه نهى أن يصلوا خلف الإمام قياماً وهو جالس، ثم صلّى بهم كذلك. ومنها أنه أمر بعض الآكلين معه أن يأكل مما يليه، وتتبّع هو الدبّاء من نواحي القصعة. ومنها أنه أمر أن يوتر المتهجِّد