للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إما على سبيل ترجيح الفعل بموافقته لإشارة الآية: {حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} فإن إباحة الجماع إلى هذه الغاية يلزم منه جواز تأخير الغسل إلى ما بعدها. وهي الطريقة التى سلكها الشافعي.

وإما على سبيل نسخ القول بالفعل، وقد مال إليه الخطابي. وقواه ابن دقيق العيد (١) بدلالة الآية، فإنها تدل على إباحة إصابة الجنابة إلى آخر الليل، بعد أن كان ذلك ممنوعاً. فيظهر أن قوله: ("من أصبح جنباً فلا صوم له" كان قبل نزول الرخصة. والله أعلم.

المثال الرابع: الوضوء مما مست النار، ورد فيه حديث أبي هريرة وعائشة عند مسلم (٢) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "توضأوا مما مست النار" وعند مسلم أيضاً أنه - صلى الله عليه وسلم - أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ. وقال جابر: "كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدم الوضوء مما مست النار" (٣).

١ - ذهب بعض الفقهاء إلى عدم التعارض بين الفعل والقول في هذه المسألة. والوجه في ذلك أن القول خاص بالأمة، لقوله - صلى الله عليه وسلم - (توضأوا) وهو (أمر) والمخاطب لا يدخل في عموم خطابه. فعليه يكون الوضوء مما مست النار واجباً في حق الأمة لم ينسخ، وترك الوضوء مما مست النار، لأنه فعل مجرّد، يكون خاصاً بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.

وممن ذهب إلى وجوب الوضوء مما مست النار عمر بن عبد العزيز، والحسن البصري والزهري وأبو قلابة وأبو مجلز، والشوكاني نقل هذا عنهم (٤) وأرجعه إلى القاعدة الأصولية، على اعتبار أن القول لم يشمله - صلى الله عليه وسلم -، وأن فعله - صلى الله عليه وسلم - حمله على الخصوصية به.


(١) نيل الأوطار ٤/ ٢٢٥
(٢) ٤/ ٤٤
(٣) رواه الأربعة وابن حبان (نيل الأوطار ١/ ٢٢١).
(٤) (نيل الأوطار ٢/ ٢٢١) ونقله الشوكاني أيضاً وابن قدامة (المغني ١/ ٢٢١) عن جملة من الصحابة منهم ابن عمر، وأبو طلحة، وأنس بن ملك، وأبو موسى، وعائشة، وزيد بن ثابت، وأبو هريرة. والنقل عنهم في هذه المسألة مضطرب. فإن النووي ذكر أكثرهم في القائلين بعدم الوضوء مما مست النار. وانظرة شرح صحيح مسلم ٤/ ٤٤١

<<  <  ج: ص:  >  >>