حقنا، لعدم وجوب تكرار الفعل، ولعدم وجوب التأسيّ به. وإن كان العموم على وجه الظهور، قال: فبالنسبة إلينا لا تعارض أيضاً، لما تقدم، أما بالنسبة إليه فيكون فعله مخصصاً لذلك القول.
ولقائل أن يقول:
إما أن لا يمكن الجمع بين القول والفعل بطريق بناء العام على الخاص، أو يمكن ذلك. فإن أمكن، بأن يكون الفعل مختصاً يتضمن صورة القول كما تقدم في النهي عن استقبال القبلة عند الحاجة، واستدبارها مطلقاً، مع الفعل في البيوت، فها هنا الذي ينبغي أن يكون الراجح ما قدمناه من تخصيص القول فيما عدا صورة الفعل، إعمالاً للأدلة العامة، الدالة على التأسيّ به - صلى الله عليه وسلم -. وأصل هذا القطب مدار على أنه لم يدل دليل على تكرر الفعل في حقه ولا تأسيّ الأمة به. ولا يلزم من عدم قيام الدليل أن يكون الفعل خاصاً به، ولا بدّ، بل ربما يكون مما تتأسىّ به الأمة فيه عملاً بالأدلة العامة، لا سيما والأصل عدم اختصاصه - صلى الله عليه وسلم -. فتخصيص القول به، كذا الفعل بالنسبة إليه وإلى الأمة أولى لما قدمناه.
وإن لم يمكن الجمع بينهما على وجه تخصيص العموم فعدم التعارض هنا أولى بأن يكون الفعل الأول كان خاصاً به، والقول بعده نسخ ذلك في حقه، ولا تعلق للأمة به. وهذا أولى من أن يكون حكم الأمة حكمه في ذلك الفعل. ونجعل القول ناسخاً له في حقه وحقهم.
٧ - الصورة السابعة: أن يتقدم القول، ويكون خاصاً به - صلى الله عليه وسلم -، ثم يتعقبه الفعل بخلافه، من غير تراخ.
فها هنا الفعل ناسخ لمقتضى القول عند من يجوز النسخ قبل التمكن من مقتضى الامتثال، وهم جمهور أهل السنة. وأما من لم يجوز ذلك، كالمعتزلة وأبي بكر الصيرفي من أصحابنا، فقالوا: لا يتصور وجود مثل هذا الفعل، مع العهد إن لم نجوز المعاصي على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
٨ - الصورة الثامنة: أن يتقدم القول، ويكون خاصاً به، ثم يقع الفعل بعده متراخياً عنه، إما بعد العمل بمقتضى القول، أو بعد التمكن من العمل به.