القول، حتى لو حصلت مقارنة بين الصورة الذهنية التي تكوّنت بسماع القول أولًا، وبين الصورة التي تكوّنت برؤيته (فعلاً) لكانت الأخيرة مختلفة عن الأولى بنسبة كبيرة، هي بها أقرب إلى الحقيقة.
ومثل ذلك في الشريعة أن الحجَّ تذكر صفته في كتب الحديث والفقه بالتفصيل، ومع ذلك فإنه لا يتبيّن تبيناً كاملًا حتى للمدرِّسين وسائر الفقهاء، إلاّ برؤية أفعال الحجاج وأماكن الحج وما يفعل في كل منها، فإذا رأى ذلك، وفَعَله، أصبحت معرفته ضرورية، على ما هو معلوم بالتجربة.
ومن جهة أخرى يكون القول أبلغ، وذلك أن القول بيان للعموم والخصوص في الأحوال والأزمان والأشخاص، فإن القول ذو صيغ يمكن بها تبيين هذه الأمور ونحوها، أما الفعل فهو قاصر على فاعله، وزمانه، ومكانه، وحالته.
قال الشاطبي:"لو تُرِكنا والفعلَ الذي فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - مثلاً، لم يحصل لنا منه غير العلم بأنه فعله، في هذا الوقت المعين، وعلى هذه الحالة المعينة. فيبقى علينا: هل ينسحب طلب هذا الفعل منه في كل حالة أو في هذه الحالة؟ أو يختصّ بهذا الزمان أو هو عامٌّ في جميع الأزمنة؟ أو يختص به وحده أو يكون حكم أمته حكمه؟ ثم بعد النظر في هذا، يتصدى نظر آخر في حكم هذا الفعل الذي فعله: من أيّ نوعٍ هو من الأحكام الشرعية".
فهذان النوعان لا يمكن تبيينهما بالفعل، ولا بدّ من القول، أو وضوح القرائن، لبيان ذلك. ومن هنا احتاجت الأفعال النبوية إلى دليل خارج عنها يبين أنها دليل في حق الأمة.
والحاصل: إن البيانين يستويان في الفعل البسيط، أو الفعل المركّب المعتاد الذي له لفظ يدل عليه بالتحديد.
ويرجح البيان بالفعل من جهة بيان الفعل الكثير التفاصيل غير المعتاد، ومن جهة قوته في عمق التأثير النفسي، وقوة التشبث بالذهن.