للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(عَزْمَةٌ) قَالَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ عَزْمَةٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ ذَلِكَ عَزْمَةٌ وَضَبَطَهُ صَاحِبُ إِرْشَادِ الْفِقْهِ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِ وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ جَائِزٌ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ

وَمَعْنَى الْعَزْمَةِ فِي اللُّغَةِ الْجَدُّ فِي الْأَمْرِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ مَفْرُوضٌ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْعَزَائِمُ الْفَرَائِضُ كَمَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ كَذَا فِي النَّيْلِ

وَقَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ يَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَنَصَبَهُ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ وَهُوَ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِنَفْسِهِ مِثْلُ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ اعْتِرَافًا وَالنَّاصِبُ لَهُ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ جُمْلَةً فَإِنَّا آخِذُوهَا

وَالْعَزْمَةُ الْجِدُّ وَالْحَقُّ فِي الْأَمْرِ يَعْنِي آخُذُ ذَلِكَ بِجِدٍّ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مَفْرُوضٌ (مِنْ عَزْمَاتِ رَبِّنَا) أَيْ حُقُوقِهِ وَوَاجِبَاتِهِ

وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَأْخُذُ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ قَهْرًا مِمَّنْ مَنَعَهَا انْتَهَى مَا في السبل

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه قَوْله فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْر مَاله أَكْثَر الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْغُلُول فِي الصَّدَقَة وَالْغَنِيمَة لَا يُوجِب غَرَامَة فِي الْمَال وَقَالُوا كَانَ هَذَا فِي أَوَّل الْإِسْلَام ثُمَّ نُسِخَ

وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيّ عَلَى نَسْخه بِحَدِيثِ الْبَرَاء بْن عَازِب فِيمَا أَفْسَدَتْ نَاقَته فَلَمْ يُنْقَل عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَضْعَف الْغُرْم بَلْ نُقِلَ فِيهَا حُكْمه بِالضَّمَانِ فَقَطْ

وَقَالَ بَعْضهمْ يُشْبِه أَنْ يَكُون هَذَا عَلَى سَبِيل التَّوَعُّد لِيَنْتَهِيَ فَاعِل ذَلِكَ

وَقَالَ بَعْضهمْ إِنَّ الْحَقّ يُسْتَوْفَى مِنْهُ غَيْر مَتْرُوك عَلَيْهِ وَإِنْ تَلِفَ شَطْر مَاله كَرَجُلٍ كَانَ لَهُ أَلْف شَاة فَتَلِفَتْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ إِلَّا عِشْرُونَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذ مِنْهُ عَشْر شِيَاه لِصَدَقَةِ الْأَلْف وَهُوَ شَطْر مَاله الْبَاقِي أَوْ نِصْفه وَهُوَ بَعِيد لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ إِنَّا آخِذُوا شَطْر مَاله

وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ إِنَّمَا هُوَ وَشَطْر مَاله أَيْ جَعَلَ مَاله شَطْرَيْنِ وَيَتَخَيَّر عَلَيْهِ الْمُصَدِّق فَيَأْخُذ الصَّدَقَة مِنْ خَيْر النِّصْفَيْنِ عُقُوبَة لِمَنْعِهِ الزَّكَاة

فَأَمَّا مَا لَا يَلْزَمهُ فَلَا

قَالَ الْخَطَّابِيّ وَلَا أَعْرِف هَذَا الْوَجْه

هَذَا آخِر كَلَامه

وَقَالَ بِظَاهِرِ الْحَدِيث الْأَوْزَاعِيُّ وَالْإِمَام أَحْمَد وَإِسْحَاق بْنُ رَاهْوَيْهِ عَلَى مَا فُصِّلَ عَنْهُمْ وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم مَنْ مَنَعَ زَكَاة مَاله أُخِذَتْ مِنْهُ وَأُخِذَ شَطْر مَاله عُقُوبَة عَلَى مَنَعَهُ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيث وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا يُؤْخَذ مِنْهُ إِلَّا الزَّكَاة لَا غَيْر

وَجَعَلَ هَذَا الْحَدِيث مَنْسُوخًا وَقَالَ كَانَ ذَلِكَ حِين كَانَتْ الْعُقُوبَات فِي الْمَال ثُمَّ نُسِخَتْ

هَذَا آخِر كَلَامه

وَمَنْ قَالَ إِنَّ بَهْز بْن حَكِيم ثِقَة اِحْتَاجَ إِلَى الِاعْتِذَار عَنْ هَذَا الْحَدِيث بِمَا تَقَدَّمَ

فَأَمَّا مَنْ قَالَ لَا يَحْتَجّ بِحَدِيثِهِ فَلَا يَحْتَاج إِلَى شَيْء مِنْ ذَلِكَ

وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيّ فِي بهز لَيْسَ بِحَجَّةٍ فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون ظَهَرَ لَهُ ذَلِكَ مِنْهُ بَعْد اِعْتِذَاره عَنْ الْحَدِيث أَوْ أَجَابَ عَنْهُ عَلَى تَقْدِير الصِّحَّة

وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ فِي بهز بْن حَكِيم هُوَ شَيْخ يُكْتَب حَدِيثه وَلَا يحتج به

وقال البستي كان يخطىء كَثِيرًا فَأَمَّا الْإِمَام أَحْمَد وَإِسْحَاق فَهُمَا يَحْتَجَّانِ بِهِ وَيَرْوِيَانِ عَنْهُ وَتَرَكَهُ جَمَاعَة مِنْ أَئِمَّتنَا وَلَوْلَا حَدِيثه إِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْر إِبِله عَزْمَة مِنْ عَزَمَات رَبّنَا لَأَدْخَلْنَاهُ فِي الثِّقَات وَهُوَ مِمَّنْ اُسْتُخِيرَ اللَّه فِيهِ

فَجَعَلَ رِوَايَته لِهَذَا الحديث مانعة

<<  <  ج: ص:  >  >>