. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
أَمَّا الْأَوَّل الظَّاهِر وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الشَّرِيعَة قَدْ اِسْتَقَرَّتْ وَلَا سِيَّمَا فِي الْمَنَاسِك عَلَى قَصْد مُخَالَفَة الْمُشْرِكِينَ فَالنُّسُك الْمُشْتَمِل عَلَى مُخَالَفَتهمْ أَفْضَل بِلَا رَيْب وَهَذَا وَاضِح
الرَّابِع عَشَر أَنَّ السَّائِل لِلنَّبِيِّ عُمْرَتنَا هَذِهِ لِعَامِنَا أَمْ للأبد لم يرد به أنها هل تجزىء عَنْ تَلِك السَّنَة فَقَطْ أَوْ عَنْ الْعُمْر كُلّه فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَاده ذَلِكَ لَسَأَلَ عَنْ الْحَجّ الَّذِي هُوَ فَرْض الْإِسْلَام وَمِنْ الْمَعْلُوم أَنَّ الْعُمْرَة إِنْ كَانَتْ وَاجِبَة لَمْ تَجِب فِي الْعُمْر إِلَّا مَرَّة وَاحِدَة وَلِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ لَهُ النَّبِيّ بَلْ لِأَبَدِ الْأَبَد فَإِنَّ أَبَد الْأَبَد إِنَّمَا يَكُون فِي حَقّ الْأُمَّة (قَوْمًا يَعْرِفُونَ) إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَإِنَّ الْأَبَد لَا يَكُون فِي حَقّ طَائِفَة مُعَيَّنَة بَلْ هُوَ لِجَمِيعِ الْأُمَّة وَلِأَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَة النَّسَائِيِّ أَلَنَا خَاصَّة أَمْ لِلْأَبَدِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا سَأَلُوا
هَلْ يَسُوغ فِعْلهَا بَعْدك عَلَى هَذَا الْوَجْه فَأَجَابَهُمْ بِأَنَّ فِعْلهَا كَذَلِكَ سَائِغ أَبَد الْأَبَد وَفِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ سُرَاقَة بْن مَالِك لقي النبي فَقَالَ أَلَكُمْ هَذِهِ خَاصَّة يَا رَسُول اللَّه قَالَ بَلْ لِلْأَبَدِ
الْخَامِس عَشَر أَنَّ النَّبِيّ أَخْبَرَهُمْ فِي تِلْكَ الْحَجَّة أَنَّ كُلّ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْي فَفِي السُّنَن مِنْ حَدِيث الرَّبِيع بْن سَبْرَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رسول الله حَتَّى إِذَا كَانَ بِعُسْفَانَ قَالَ لَهُ سُرَاقَة بْن مَالِك الْمُدْلِجِيّ يَا رَسُول اللَّه اِقْضِ لَنَا قَضَاء قَوْم كَأَنَّمَا وُلِدُوا الْيَوْم فَقَالَ
إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَدْخَلَ عَلَيْكُمْ فِي حَجّكُمْ هَذَا عُمْرَة فَإِذَا قَدِمْتُمْ فَمَنْ تَطَوَّفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة فَقَدْ حَلَّ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْي وَسَيَأْتِي الْحَدِيث
فَهَذَا نَصّ اِنْفِسَاخه شَاءَ أَمْ أَبَى كَمَا قال بن عَبَّاس وَإِسْحَاق وَمَنْ وَافَقَهُمَا وَقَوْله اِقْضِ لَنَا قَضَاء قَوْم كَأَنَّمَا وُلِدُوا الْيَوْم يُرِيد قَضَاء لَازِمًا لَا يَتَغَيَّر وَلَا يَتَبَدَّل بَلْ نَتَمَسَّك بِهِ مِنْ يَوْمنَا هَذَا إِلَى آخِر الْعُمْر
السادس عشر أن النبي لَمَّا سُئِلَ عَنْ تِلْكَ الْعُمْرَة الَّتِي فَسَخُوا إِلَيْهَا الْحَجّ وَتَمَتَّعُوا بِهَا اِبْتِدَاء فَقَالَ دَخَلَتْ الْعُمْرَة فِي الْحَجّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة كَانَ هَذَا تَصْرِيحًا مِنْهُ بِأَنَّ هَذَا الْحُكْم ثَابِت أَبَدًا لَا يُنْسَخ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَمَنْ جَعَلَهُ مَنْسُوخًا فَهَذَا النَّصّ يَرُدّ قَوْله
وَحَمَلَهُ عَلَى الْعُمْرَة الْمُبْتَدَأَة الَّتِي لَمْ يُفْسَخ الْحَجّ إِلَيْهَا بَاطِل فَإِنَّ عُمْدَة الْفَسْخ سَبَب الْحَدِيث فَهِيَ مُرَادَة مِنْهُ نَصًّا وَمَا عَدَاهَا ظَاهِرًا وَإِخْرَاج مَحَلّ السَّبَب وَتَخْصِيصه مِنْ اللَّفْظ الْعَامّ لَا يَجُوز فَالتَّخْصِيص وَإِنْ تَطَرَّقَ إِلَى الْعُمُوم فَلَا يَتَطَرَّق إِلَى مَحَلّ السَّبَب
وَهَذَا بَاطِل
السَّابِع عَشَر أَنَّ مُتْعَة الْفَسْخ لَوْ كَانَتْ مَنْسُوخَة لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعْلُوم عِنْد الصَّحَابَة ضَرُورَة كَمَا كَانَ مِنْ الْمَعْلُوم عِنْدهمْ نَسْخ الْكَلَام فِي الصَّلَاة وَنَسْخ الْقِبْلَة وَنَسْخ تَحْرِيم الطَّعَام وَالشَّرَاب عَلَى الصَّائِم بَعْد مَا يَنَام بَلْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْوُقُوف بِعَرَفَة وَالدَّفْع مِنْ مُزْدَلِفَة قَبْل طُلُوع الشَّمْس فَإِنَّ هَذَا مِنْ أُمُور الْمَنَاسِك الظَّاهِرَة الْمُشْتَرِك فِيهَا أَهْل الْإِسْلَام فَكَانَ نَسْخه لَا يَخْفَى عَلَى أَحَد
وَقَدْ كان بن عَبَّاس إِذَا سَأَلُوهُ عَنْ فُتْيَاهُ بِهَا يَقُول سُنَّة نَبِيّكُمْ وَإِنْ رَغِمْتُمْ فَلَا يُرَاجِعُونَهُ فَكَيْفَ تكون منسوخة عندهم