الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ مُلَبِّدًا يَقُولُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ الْحَدِيثَ
وَقَالَ فِي آخِرِهِ لَا يَزِيدُ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ
زَادَ مسلم من هذا الوجه قال بن عُمَرَ كَانَ عُمَرُ يُهِلُّ بِهَذَا وَيَزِيدُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ وَهَذَا الْقَدْرُ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ أَيْضًا عِنْدَهُ عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَزِيدُ فِيهَا فَذَكَرَ نَحْوَهُ فعرف أن بن عُمَرَ اقْتَدَى فِي ذَلِكَ بِأَبِيهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ
قَالَ الطَّحَاوِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ بن عمر وبن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَعَمْرِو بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا عَلَى هَذِهِ التَّلْبِيَةِ غَيْرَ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا لَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَ مِنَ الذِّكْرِ لِلَّهِ مَا أَحَبَّ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يعني الذي أخرجه النسائي وبن
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وسعديك مِنْ الْمُسَاعِدَة وَهِيَ الْمُطَاوَعَة
وَمَعْنَاهُ مُسَاعَدَة فِي طَاعَتك وَمَا تُحِبّ بَعْد مُسَاعِدَة
قَالَ الْحَرْبِيّ ولم يسمع سعديك مفردا
والرغباء إِلَيْك يُقَال بِفَتْحِ الرَّاء مَعَ الْمَدّ وَبِضَمِّهَا مَعَ الْقَصْر
وَمَعْنَاهَا الطَّلَب وَالْمَسْأَلَة وَالرَّغْبَة
وَاخْتَلَفَ النُّحَاة فِي الْيَاء فِي لَبَّيْكَ
فَقَالَ سِيبَوَيْهِ هِيَ يَاء التَّثْنِيَة
وَهُوَ مِنْ الْمُلْتَزَم نَصْبه عَلَى الْمَصْدَر كَقَوْلِهِمْ حَمْدًا وَشُكْرًا وَكَرَامَة وَمَسَرَّة
وَالْتَزَمُوا تَثْنِيَته إِيذَانًا بِتَكْرِيرِ مَعْنَاهُ وَاسْتِدَامَته
وَالْتَزَمُوا إِضَافَته إِلَى ضَمِير الْمُخَاطَب لَمَّا خَصُّوهُ بِإِجَابَةِ الداعي
وقد جاء إضافته إلى ضمير للغائب نَادِرًا كَقَوْلِ الشَّاعِر دَعَوْت لَمَّا نَابَنِي مُسَوَّرًا فَلَبَّى فَلَبَّى يَدَيَّ مُسَوَر وَالتَّثْنِيَة فِيهِ كَالتَّثْنِيَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ اِرْجِعْ الْبَصَر كَرَّتَيْنِ} وَلَيْسَ الْمُرَاد مِمَّا يَشْفَع الْوَاحِد فَقَطّ
وَكَذَلِكَ سَعْدِيّك وَدَوَالِيك
وَقَالَ يُونُس هُوَ مُفْرَد وَالْبَاء فِيهِ مِثْل عَلَيْك وَإِلَيْك وَلَدَيْك
وَمِنْ حَجَّة سيبويه على يونس أن على وإلى يَخْتَلِفَانِ بِحَسْب الْإِضَافَة فَإِنَّ جَرًّا مُضْمِرًا كَانَا بِالْيَاءِ وَإِنَّ جَرًّا ظَاهِرًا كَانَا بِالْأَلْفِ
فَلَوْ كَانَ لَبَّيْكَ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ بِالْيَاءِ فِي جَمِيع أَحْوَاله سَوَاء أُضَيِّف إِلَى ظَاهِر أَوْ مُضْمِر كَمَا قَالَ فَلُبِّي يَدِيّ مُسَوَّر
وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ النُّحَاة أُصَلِّ الْكَلِمَة لُبًّا لُبًّا أَيّ إِجَابَة بَعْد إِجَابَة فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ تَكْرَار الْكَلِمَة فَجَمَعُوا بَيْن اللَّفْظَيْنِ لِيَكُونَ أَخَفْ عَلَيْهِمْ فَجَاءَتْ التَّثْنِيَة وَحَذَفَ التَّنْوِين لِأَجَلِ الْإِضَافَة
وَقَدْ اِشْتَمَلَتْ كَلِمَات التَّلْبِيَة عَلَى قَوَاعِد عَظِيمَة وَفَوَائِد جليلة