. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
مِنْ أَحْمَد فِي هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَكَاد يُخَالِف سُنَّة تَبْلُغهُ وَقُلْت سُنَّة لَمْ تَبْلُغهُ
وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة إِذَا لَمْ يَقْطَعهُمَا تَلْزَمهُ الْفِدْيَة
وَالثَّانِي أَنَّ الْقَطْع لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَهُوَ أَصَحّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد وَيُرْوَى عَنْ عَلِيّ بن أبي طالب وهو قول أصحاب بن عَبَّاس وَعَطَاء وَعِكْرِمَة
وَهَذِهِ الرِّوَايَة أَصَحّ لِمَا في الصحيحين عن بن عَبَّاس قَالَ سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُب بِعَرَفَاتٍ مَنْ لَمْ يَجِد إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيل وَمَنْ لَمْ يَجِد نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ
فَأَطْلَقَ الْإِذْن فِي لِبْس الْخُفَّيْنِ وَلَمْ يَشْتَرِط الْقَطْع وَهَذَا كَانَ بِعَرَفَاتٍ وَالْحَاضِرُونَ مَعَهُ إِذْ ذَاكَ أَكْثَرهمْ لَمْ يَشْهَدُوا خُطْبَته بِالْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ كَانَ مَعَهُ مِنْ أَهْل مَكَّة وَالْيَمَن وَالْبَوَادِي مَنْ لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللَّه تَعَالَى وَتَأْخِير الْبَيَان عَنْ وَقْت الْحَاجَة مُمْتَنِع
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ جَابِر قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَجِد نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَمَنْ لَمْ يَجِد إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيل فَهَذَا كَلَام مُبْتَدَأ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ فِيهِ فِي عَرَفَات فِي أَعْظَم جَمْع كَانَ لَهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِد الْإِزَار فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيل وَمَنْ لَمْ يَجِد النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلَمْ يَأْمُر بِقَطْعِ وَلَا فَتْق وَأَكْثَر الْحَاضِرِينَ بِعَرَفَاتٍ لَمْ يَسْمَعُوا خُطْبَته بِالْمَدِينَةِ وَلَا سَمِعُوهُ يَأْمُر بِقَطْعِ الْخُفَّيْنِ وَتَأْخِير الْبَيَان عَنْ وَقْته مُمْتَنِع
فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ هَذَا الْجَوَاز لَمْ يَكُنْ شُرِعَ بِالْمَدِينَةِ وَأَنَّ الَّذِي شُرِعَ بِالْمَدِينَةِ هُوَ لُبْس الْخُفّ الْمَقْطُوع ثُمَّ شُرِعَ بِعَرَفَاتٍ لُبْس الْخُفّ مِنْ غَيْر قَطْع
فَإِنْ قِيلَ فحديث بن عمر مقيد وحديث بن عَبَّاس مُطْلَق وَالْحُكْم وَالسَّبَب وَاحِد وَفِي مِثْل هَذَا يَتَعَيَّن حَمْل الْمُطْلَق عَلَى الْمُقَيَّد وَقَدْ أمر في حديث بن عُمَر بِالْقَطْعِ
فَالْجَوَاب مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدهمَا أَنَّ قوله في حديث بن عُمَر وَلْيَقْطَعْهُمَا قَدْ قِيلَ إِنَّهُ مُدْرَج مِنْ كَلَام نَافِع
قَالَ صَاحِب الْمُغْنِي كَذَلِكَ رُوِيَ فِي أَمَالِي أَبِي الْقَاسِم بْن بشران بِإِسْنَادٍ صَحِيح أَنَّ نَافِعًا قَالَ بَعْد رِوَايَته لِلْحَدِيثِ وَلْيَقْطَعْ الْخُفَّيْنِ أَسْفَل مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَالْإِدْرَاج فِيهِ مُحْتَمِل لِأَنَّ الْجُمْلَة الثَّانِيَة يَسْتَقِلّ الْكَلَام الْأَوَّل بِدُونِهَا فَالْإِدْرَاج فِيهِ مُمْكِن فَإِذَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ أَنَّ نَافِعًا قَالَهُ زَالَ الْإِشْكَال
وَيَدُلّ على صحة هذا أن بن عُمَر كَانَ يُفْتِي بِقَطْعِهِمَا لِلنِّسَاءِ فَأَخْبَرَتْهُ صَفِيَّة بِنْت أَبِي عُبَيْد عَنْ عَائِشَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَس الْخُفَّيْنِ وَلَا يَقْطَعهُمَا قَالَتْ صَفِيَّة فَلَمَّا أَخْبَرَتْهُ بِهَذَا رَجَعَ
الْجَوَاب الثَّانِي أَنَّ الْأَمْر بِالْقَطْعِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُب عَلَى الْمِنْبَر فَنَادَاهُ رَجُل فَقَالَ مَا يَلْبَس الْمُحْرِم مِنْ الثِّيَاب فأجابه بذلك وفيه الأمر بالقطع وحديث بن عَبَّاس وَجَابِر بَعْده