. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
هَذَا أَصَحّ مِنْ قَوْله وَأَحْمَد فَهِمَ مِنْ النَّصّ الْمُتَأَخِّر لِبْس الْخُفّ صَحِيحًا بِلَا قَطْع عِنْد عَدَم النَّعْل وَأَنَّ ذَلِكَ نَاسِخ لِلْأَمْرِ بِالْقَطْعِ وَهَذَا فَهْم صَحِيح وَقَوْله فِي ذَلِكَ أَصَحّ الْأَقْوَال
فَإِنْ قِيلَ فَلَوْ كَانَ الْمَقْطُوع أَصْلًا لَمْ يَكُنْ عَدَم النَّعْل شَرْطًا فِيهِ وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا جَعَلَهُ عِنْد عَدَم النَّعْل
قِيلَ بَلْ الْحَدِيث دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَالْخُفِّ إِذْ لَوْ كَانَ كَالْخُفِّ لَمَا أَمَرَ بِقَطْعِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ بِقَطْعِهِ يَخْرُج مِنْ شَبَه الْخُفّ وَيَلْتَحِق بِالنَّعْلِ
وَأَمَّا جَعْله عَدَم النَّعْل شَرْطًا فَلِأَجْلِ أَنَّ الْقَطْع إِفْسَاد لِصُورَتِهِ وَمَالِيَّته وَهَذَا لَا يُصَار إِلَيْهِ إِلَّا عِنْد عَدَم النَّعْل وَأَمَّا مَعَ وُجُود النَّعْل فَلَا يَفْسُد الْخُفّ وَيُعْدَم مَالِيَّته فَإِذَا تَبَيَّنَ هَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَقْطُوع مُلْحَق بِالنَّعْلِ لَا بِالْخُفِّ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَنَّ عَلَى قَوْل الْمُوجِبِينَ لِلْقَطْعِ لَا فَائِدَة فِيهِ فَإِنَّهُمْ لَا يُجَوِّزُونَ لِبْس الْمَقْطُوع وَهُوَ عِنْدهمْ كَالْخُفِّ
فَإِنْ قِيلَ فَغَايَة مَا يَدُلّ عَلَيْهِ الْحَدِيث جَوَاز الِانْتِقَال إِلَى الْخُفّ وَالسَّرَاوِيل عِنْد عَدَم النَّعْل وَالْإِزَار وَهَذَا يُفِيد الْجَوَاز وَأَمَّا سُقُوط الْفِدْيَة فَلَا فَهَلَّا قُلْتُمْ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَة يَجُوز لَهُ ذَلِكَ مَعَ الْفِدْيَة فَاسْتَفَادَ الْجَوَاز مِنْ هَذَا الْحَدِيث وَاسْتَفَادَ الْفِدْيَة مِنْ حَدِيث كَعْب بْن عُجْرَة حَيْثُ جَوَّزَ لَهُ فِعْل الْمَحْظُور مَعَ الْفِدْيَة فَكَانَ أَسْعَد بِالنُّصُوصِ وَبِمُوَافَقَتِهَا مِنْكُمْ مَعَ مُوَافَقَته لِابْنِ عُمَر فِي ذَلِكَ
قِيلَ بَلْ إِيجَاب الْفِدْيَة ضَعِيف فِي النَّصّ وَالْقِيَاس فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْبَدَل فِي حَدِيث بن عمر وبن عَبَّاس وَجَابِر وَعَائِشَة وَلَمْ يَأْمُر فِي شَيْء مِنْهَا بِالْفِدْيَةِ مَعَ الْحَاجَة إِلَى بَيَانهَا وَتَأْخِير الْبَيَان عَنْ وَقْته مُمْتَنِع فَسُكُوته عَنْ إِيجَابهَا مَعَ شِدَّة الْحَاجَة إِلَى بَيَانه لَوْ كَانَ وَاجِبًا دَلِيل عَلَى عَدَم الْوُجُوب كَمَا أَنَّهُ جَوَّزَ لِبْس السَّرَاوِيل بِلَا فَتْق وَلَوْ كَانَ الْفَتْق وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ
وَأَمَّا الْقِيَاس فَضَعِيف جِدًّا
فَإِنْ قِيلَ هَذَا مِنْ بَاب الْأَبْدَال الَّتِي تَجُوز عِنْد عَدَم مُبْدَلَاتهَا كَالتُّرَابِ عِنْد عَدَم الْمَاء وَكَالصِّيَامِ عِنْد الْعَجْز عَنْ الْإِعْتَاق وَالْإِطْعَام وَكَالْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ عِنْد تَعَذُّر الْأَقْرَاء وَنَظَائِره وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَاب الْمَحْظُور الْمُسْتَبَاح بِالْفِدْيَةِ وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ النَّاس مُشْتَرِكُونَ فِي الْحَاجَة إِلَى لِبْس مَا يَسْتُرُونَ بِهِ عَوْرَاتهمْ وَيَقُونَ بِهِ أَرْجُلهمْ الْأَرْض وَالْحُرّ وَالشَّوْك وَنَحْوه فَالْحَاجَة إِلَى ذَلِكَ عَامَّة وَلَمَّا اِحْتَاجَ إِلَيْهِ الْعُمُوم لَمْ يُحْظَر عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَائِدَة بِخِلَافِ مَا يُحْتَاج إِلَيْهِ لِمَرَضٍ أَوْ بُرْد فَإِنَّ ذَلِكَ حَاجَة لِعَارِضٍ وَلِهَذَا رَخَّصَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ فِي اللِّبَاس مُطْلَقًا بِلَا فَدِيَة وَنَهَى عَنْ النِّقَاب وَالْقُفَّازَيْنِ فَإِنَّ الْمَرْأَة لَمَّا كَانَتْ كُلّهَا عَوْرَة وَهِيَ مُحْتَاجَة إِلَى سَتْر بَدَنهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا فِي سَتْر بَدَنهَا فِدْيَة وَكَذَلِكَ حَاجَة الرِّجَال إِلَى السَّرَاوِيلَات وَالْخِفَاف هِيَ عَامَّة إِذَا لَمْ يجدوا الإزار والنعال وبن عُمَر لَمَّا لَمْ يَبْلُغهُ حَدِيث الرُّخْصَة مُطْلَقًا أَخَذَ بِحَدِيثِ الْقَطْع وَكَانَ يَأْمُر النِّسَاء بِقَطْعِ الْخِفَاف حَتَّى أَخْبَرَتْهُ بَعْد هَذَا صَفِيَّة زَوْجَته عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَرْخَصَ لِلنِّسَاءِ فِي ذَلِكَ فَرَجَعَ عَنْ قوله
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute