الْبِكْرِ عَلَى النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ بَالْأَوْلَى
وَإِلَى عَدَمِ جَوَازِ إِجْبَارِ الْأَبِ ذَهَبَتِ الْحَنَفِيَّةُ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلِحَدِيثِ وَالْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا وَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ لِلْأَبِ إِجْبَارَ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ عَلَى النِّكَاحِ عَمَلًا بِمَفْهُومِ حَدِيثِ الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْبِكْرَ بِخِلَافِهَا وَأَنَّ الْوَلِيَّ أَحَقُّ بِهَا وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ مَفْهُومٌ لَا يُقَاوِمُ الْمَنْطُوقَ وَبِأَنَّهُ لَوْ أُخِذَ بِعُمُومِهِ لَزِمَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْأَبِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وَأَنْ لَا يُخَصَّ بِجَوَازِ الْإِجْبَارِ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي تَقْوِيَةِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ إن حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ جَوَابُ الْبَيْهَقِيِّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ فَلَا يثبت الحكم
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَعَلَى طَرِيقَة الْبَيْهَقِيِّ وَأَكْثَر الْفُقَهَاء وَجَمِيع أَهْل الْأُصُول هَذَا حَدِيث صَحِيح لِأَنَّ جَرِير بْن حَازِم ثِقَة ثَبَت وَقَدْ وَصَلَهُ وَهُمْ يَقُولُونَ زِيَادَة الثِّقَة مَقْبُولَة فَمَا بَالهَا تُقْبَل فِي مَوْضِع بَلْ فِي أَكْثَر الْمَوَاضِع الَّتِي تُوَافِق مَذْهَب الْمُقَلِّد وَتُرَدّ فِي مَوْضِع يُخَالِف مَذْهَبه وَقَدْ قَبِلُوا زِيَادَة الثِّقَة فِي أَكْثَر مِنْ مِائَتَيْنِ مِنْ الْأَحَادِيث رَفْعًا وَوَصْلًا وَزِيَادَة لَفْظ وَنَحْوه وَهَذَا لَوْ اِنْفَرَدَ بِهِ جَرِير فَكَيْف وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى رَفْعه عَنْ أَيُّوب زيد بن حبان ذكره بن مَاجَهْ فِي سُنَنه
وَأَمَّا حَدِيث جَابِر فَهُوَ حَدِيث يَرْوِيه شُعَيْب بْن إِسْحَاق عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاء عَنْ جَابِر أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ اِبْنَته وَهِيَ بِكْر مِنْ غَيْر أَمْرهَا فَأَتَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَّقَ بَيْنهمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيث أَبِي حَفْص التِّنِّيسِيِّ سَمِعْت الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن مُرَّة عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح قَالَ زَوَّجَ رَجُل اِبْنَته وَهِيَ بِكْر وَسَاقَ الْحَدِيث وَهَذَا الْإِرْسَال لَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمَوْصُول خَطَأ بِمُجَرَّدِهِ
وَأَمَّا حَدِيث جَرِير الَّذِي أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إِلَى أَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ عَلَى أَيُّوب فَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيث جَرِير عن أيوب عن عكرمة عن بن عَبَّاس أَنَّ جَارِيَة بِكْرًا أَتَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي وَهِيَ كَارِهَة فَرَدَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِكَاحهَا وَرِجَاله مُحْتَجّ بِهِمْ فِي الصَّحِيح وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُنْكَح الْبِكْر إِلَّا بِإِذْنِهَا وَهَذَا نَهْي صَرِيح فِي الْمَنْع فَحَمْله عَلَى الِاسْتِحْبَاب بعيد جدا
وفي حديث بن عَبَّاس وَالْبِكْر يَسْتَأْمِرهَا أَبُوهَا رَوَاهُ مُسْلِم وَسَيَأْتِي فَهَذَا خَبَر فِي مَعْنَى الْأَمْر عَلَى إِحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ أَوْ خَبَر مَحْض وَيَكُون خَبَرًا عَنْ حُكْم الشَّرْع لَا خَبَرًا عَنْ الْوَاقِع وَهِيَ طريقة المحققين
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute