وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[٢١٧١] (إِنَّ الْيَهُودَ تُحَدِّثُ أن العزل موءودة الصغرى) المؤودة هِيَ الَّتِي دُفِنَتْ حَيَّةً وَكَانَتْ عَادَةُ سُرَاةِ الْعَرَبِ أَنْ يَدْفِنُوا بَنَاتَهُمْ إِذَا وُلِدَتْ تَحَرُّزًا عَنْ لُحُوقِ الْعَارِ فَقَالَتِ الْيَهُودُ إِنَّ الْعَزْلَ أَيْضًا قَرِيبٌ مِنَ الْوَأْدِ لِأَنَّهُ إِتْلَافُ نَفْسٍ وَلَوْ بَعِيدَةٌ عَنِ الْوُجُودِ (قَالَ كَذَبَتْ يَهُودُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْعَزْلِ وَلَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا فِي حَدِيثِ جُدَامَةَ أَنَّهُمْ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعَزْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَا فِي حَدِيثِ جُدَامَةَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ وَتَكْذِيبِ الْيَهُودِ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا التَّحْرِيمَ الْحَقِيقِيَّ
وقال بن الْقَيِّمِ الَّذِي كَذَّبَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودَ هُوَ زَعْمُهُمْ أَنَّ الْعَزْلَ لَا يُتَصَوَّرُ مَعَهُ الْحَمْلُ أَصْلًا وَجَعَلُوا بِمَنْزِلَةِ قَطْعِ النَّسْلِ بَالْوَأْدِ فَأَكْذَبَهُمْ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْحَمْلَ إِذَا شَاءَ اللَّهُ خَلْقَهُ وَإِذَا لَمْ يُرِدْ خَلْقَهُ لَمْ يَكُنْ وَأْدًا حَقِيقَةً وَإِنَّمَا أَسْمَاهُ وَأْدًا خَفِيًّا فِي حَدِيثِ جُدَامَةَ بِأَنَّ الرَّجُلَ إِنَّمَا يَعْزِلُ هَرَبًا مِنَ الْحَمْلِ فَأَجْرَى قَصْدَهُ لِذَلِكَ مَجْرَى الْوَأْدِ لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَأْدَ ظَاهِرٌ بَالْمُبَاشَرَةِ اجْتَمَعَ فِيهِ الْقَصْدُ وَالْفِعْلُ وَالْعَزْلُ يَتَعَلَّقُ بَالْقَصْدِ فَقَطْ فَلِذَلِكَ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ خَفِيًّا انْتَهَى (لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَهُ مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصْرِفَهُ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَعَالَى إِذَا قَدَّرَ خَلْقَ نَفْسٍ فَلَا بُدَّ مِنْ خَلْقِهَا وَأَنَّهُ يَسْبِقُكُمُ الْمَاءُ فَلَا تَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِهِ وَلَا يَنْفَعُكُمُ الْحِرْصُ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ يَسْبِقُ الْمَاءُ مِنْ غَيْرِ شُعُورِ الْعَازِلِ لِتَمَامِ مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَأَمَّا قَوْل الْإِمَام أَحْمَد فِيهِ فَأَكْثَر نُصُوصه أَنَّ لَهُ أَنْ يَعْزِل عَنْ سُرِّيَّته وَأَمَّا زَوْجَته فَإِنْ كَانَتْ حُرَّة لَمْ يَعْزِل عَنْهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا وَإِنْ كَانَتْ أَمَة لَمْ يَعْزِل إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدهَا
وَرُوِيَتْ كَرَاهَة الْعَزْل عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَرُوِيَتْ عَنْ أَبِي بَكْر الصديق وعن علي وبن مسعود في المشهور عنهما وعن بن عُمَر
وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَصْحَاب أَحْمَد وَغَيْرهمْ يَحْرُم كُلّ عَزْل وَقَالَ بَعْض أَصْحَابه يُبَاح مُطْلَقًا
وَقَدْ رَوَى مُسْلِم فِي صَحِيحه عَنْ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي أَعْزِل عَنْ اِمْرَأَتِي فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَ تَفْعَل ذَلِكَ فَقَالَ الرَّجُل أُشْفِق عَلَى وَلَدهَا أَوْ عَلَى أَوْلَادهَا فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ ضَارًّا أَحَدًا ضَرَّ فَارِس وَالرُّوم
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث جَابِر كُنَّا نَعْزِل وَالْقُرْآن يَنْزِل فَلَوْ كَانَ شَيْء يُنْهَى عَنْهُ لَنَهَى عَنْهُ الْقُرْآن
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيث كُنَّا نَعْزِل عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَنْهَنَا
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد قَالَ ذُكِرَ الْعَزْل عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ وَمَا ذَاكُمْ قَالُوا الرَّجُل تَكُون لَهُ الْمَرْأَة