. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا فَإِنْ تَسَاقَطَتْ الرِّوَايَتَانِ لَمْ يَكُنْ فِي سَائِر الْأَلْفَاظ دَلِيل عَلَى الْوُقُوع وَإِنْ رُجِّحَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَرِوَايَة أَبِي الزُّبَيْر صَرِيحَة فِي الرَّفْع وَرِوَايَة سَعِيد بْن جُبَيْر غَيْر صَرِيحَة فِي الرَّفْع فَإِنَّهُ لم يذكر فاعل الحساب فلعل أباه رضي الله عنه حسبها عليه بعد موت النبي فِي الْوَقْت الَّذِي أَلْزَمَ النَّاس فِيهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاث وَحَسِبَهُ عَلَيْهِمْ اِجْتِهَادًا مِنْهُ وَمَصْلَحَة رَآهَا لِلْأُمَّةِ لِئَلَّا يَتَتَابَعُوا فِي الطَّلَاق الْمُحَرَّم فَإِذَا عَلِمُوا أَنَّهُ يَلْزَمهُمْ وَيَنْفُذ عَلَيْهِمْ أَمْسَكُوا عَنْهُ وقد كان في زمن النبي لَا يَحْتَسِب عَلَيْهِمْ بِهِ ثَلَاثًا فِي لَفْظ وَاحِد فَلَمَّا رَأَى عُمَر النَّاس قَدْ أَكْثَرُوا مِنْهُ رَأَى إِلْزَامهمْ بِهِ وَالِاحْتِسَاب عَلَيْهِمْ بِهِ
قَالُوا وَبِهَذَا تَأْتَلِف الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي هَذَا الْبَاب وَيَتَبَيَّن وَجْههَا وَيَزُول عَنْهَا التَّنَاقُض وَالِاضْطِرَاب وَيُسْتَغْنَى عَنْ تَكَلُّف التَّأْوِيلَات الْمُسْتَكْرَهَة لَهَا وَيَتَبَيَّن مُوَافَقَتهَا لِقَوَاعِد الشَّرْع وَأُصُوله
قَالُوا وَهَذَا الظَّنّ بِعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ إِذَا اِحْتَسَبَ عَلَى النَّاس بِالطَّلَاقِ الثَّلَاث اِحْتَسَبَ عَلَى اِبْنه بِتَطْلِيقَتِهِ الَّتِي طَلَّقَهَا فِي الْحَيْض وَكَوْن النَّبِيّ لَمْ يَرَهَا شَيْئًا مِثْل كَوْن الطَّلَاق الثَّلَاث عَلَى عَهْده كَانَ وَاحِدَة
وَإِلْزَام عُمَر النَّاس بِذَلِكَ كَإِلْزَامِهِ لَهُ بِهَذَا وَأَدَّاهُ اِجْتِهَاده رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ تَخْفِيفًا وَرِفْقًا بِالْأُمَّةِ لِعِلَّةِ إِيقَاعهمْ الطَّلَاق وَعَدَم تَتَابُعهمْ فِيهِ فَلَمَّا أَكْثَرُوا مِنْهُ وَتَتَابَعُوا فِيهِ أَلْزَمَهُمْ بِمَا اِلْتَزَمُوهُ وَهَذَا كَمَا أَدَّاهُ اِجْتِهَاده فِي الْجَلْد فِي الْخَمْر ثَمَانِينَ وَحَلْق الرَّأْس فِيهِ والنفي والنبي إِنَّمَا جَلَدَ فِيهِ أَرْبَعِينَ وَلَمْ يَحْلِق فِيهِ رَأْسًا وَلَمْ يُغَرِّب فَلَمَّا رَأَى النَّاس قَدْ أَكْثَرُوا مِنْهُ وَاسْتَهَانُوا بِالْأَرْبَعِينَ ضَاعَفَهَا عَلَيْهِمْ وَحَلَقَ وَنَفَى
وَلِهَذَا نَظَائِر كَثِيرَة سَتُذْكَرُ فِي مَوْضِع آخَر إِنْ شَاءَ اللَّه
قَالُوا وَتَوَهَّمَ مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّا خَالَفْنَا الْإِجْمَاع فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة غَلَط فَإِنَّ الْخِلَاف فِيهَا أَشْهَر مِنْ أَنْ يُجْحَد وَأَظْهَر مِنْ أَنْ يُسْتَر
وَإِذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَة مِنْ مَوَارِد النِّزَاع فَالْوَاجِب فِيهَا اِمْتِثَال مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ وَرَسُوله مِنْ رَدِّ مَا تَنَازَعَ فِيهِ الْعُلَمَاء إِلَى اللَّه وَرَسُوله وَتَحْكِيم اللَّه وَرَسُوله دُون تَحْكِيم أَحَد مِنْ الْخَلْق قَالَ تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّه وَالرَّسُول إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر ذَلِكَ خَيْر وَأَحْسَن تَأْوِيلًا}
فَهَذِهِ بَعْض كَلِمَات الْمَانِعِينَ مِنْ الْوُقُوع
وَلَوْ اِسْتَوْفَيْنَا الْكَلَام فِي الْمَسْأَلَة لَاحْتَمَلَتْ سَفَرًا كَبِيرًا فَلْنَقْتَصِرْ عَلَى فَوَائِد الْحَدِيث
قَالَ الْمُوَقِّعُونَ
وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الرَّجْعَة يَسْتَقِلّ بِهَا الزَّوْج دُون الْوَلِيّ وَرِضَا الْمَرْأَة لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ دُون غَيْره وَدَلَالَة الْقُرْآن عَلَى هَذَا أَظْهَر مِنْ هَذِهِ الدَّلَالَة
قَالَ تَعَالَى {وَبُعُولَتهنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} فَجَعَلَ الْأَزْوَاج أَحَقَّ بِالرَّجْعَةِ مِنْ الْمَرْأَة وَالْوَلِيّ
وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْله مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا هَلْ الْأَمْر بِالرَّجْعَةِ عَلَى الْوُجُوب أَوْ الِاسْتِحْبَاب فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَالْأَوْزَاعِيُّ وبن أَبِي لَيْلَى وَسُفْيَان الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بَلْ أَشْهَرهمَا عَنْهُ الْأَمْر بِالرَّجْعَةِ اِسْتِحْبَاب
قَالَ بَعْضهمْ لِأَنَّ اِبْتِدَاء النِّكَاح إِذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَاسْتِدَامَته كَذَلِكَ وَقَالَ مَالِك فِي الْأَشْهَر عَنْهُ وَدَاوُد وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى الرَّجْعَة وَاجِبَة الْأَمْر بِهَا وَلِأَنَّ الطَّلَاق لَمَّا كَانَ مُحَرَّمًا فِي هَذَا الزَّمَن كَانَ بَقَاء النِّكَاح وَاسْتِدَامَته فِيهِ وَاجِبًا وَبِهَذَا يَبْطُل قَوْلهمْ إِذَا لَمْ يَجِب اِبْتِدَاء النِّكَاح لَمْ تَجِب اِسْتِدَامَته فَإِنَّ الِاسْتِدَامَة هَا هُنَا وَاجِبَة لِأَجْلِ الْوَقْت فَإِنَّهُ لَا يَجُوز فِيهِ الطَّلَاق
قَالُوا وَلِأَنَّ الرَّجْعَة إِمْسَاك بِدَلِيلِ قَوْله {الطَّلَاق مَرَّتَانِ فَإِمْسَاك بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيح بِإِحْسَانٍ} فَالْإِمْسَاك مُرَاجَعَتهَا فِي الْعِدَّة وَالتَّسْرِيح تَرْكهَا حَتَّى