. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وقوله ثُمَّ لْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا قَبْل أَنْ يَمَسّ دَلِيل عَلَى أَنَّ طَلَاقهَا فِي الطُّهْر الَّذِي مَسَّ فِيهِ مَمْنُوع مِنْهُ وَهُوَ طَلَاق بِدْعَة وَهَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ فَلَوْ طَلَّقَ فِيهِ
قَالُوا لَمْ يجب عليه رجعتها قال بن عَبْد الْبَرّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرَّجْعَة لَا تَجِب فِي هَذِهِ الصُّورَة وَلَيْسَ هَذَا الْإِجْمَاع ثَابِتًا وَإِنْ كَانَ قَدْ حَكَاهُ صَاحِب الْمُغْنِي أَيْضًا فَإِنَّ أَحَد الْوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَب أَحْمَد وُجُوب الرَّجْعَة فِي هَذَا الطَّلَاق حَكَاهُ فِي الرِّعَايَة وَهُوَ الْقِيَاس لِأَنَّهُ طَلَاق مُحَرَّم فَتَجِب الرَّجْعَة فِيهِ كَمَا تَجِب فِي الطَّلَاق فِي زَمَن الْحَيْض
وَلِمَنْ فَرَّقَ بَيْنهمَا أَنْ يَقُول زَمَن الطُّهْر وَقْت لِلْوَطْءِ وَلِلطَّلَاقِ وَزَمَن الْحَيْض لَيْسَ وَقْتًا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَظَهَرَ الْفَرْق بَيْنهمَا فَلَا يَلْزَم مِنْ الْأَمْر بِالرَّجْعَةِ فِي غَيْر زَمَن الطَّلَاق الْأَمْر بِهَا فِي زَمَنه وَلَكِنَّ هَذَا الْفَرْق ضَعِيف جِدًّا فَإِنَّ زَمَن الطُّهْر مَتَى اِتَّصَلَ بِهِ الْمَسِيس صَارَ كَزَمَنِ الْحَيْض فِي تَحْرِيم الطَّلَاق سَوَاء وَلَا فَرْق بَيْنهمَا بَلْ الْفَرْق الْمُؤَثِّر عِنْد النَّاس أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي وَجَبَتْ لِأَجْلِهِ الرَّجْعَة إِذَا طَلَّقَهَا حَائِضًا مُنْتَفٍ فِي صُورَة الطَّلَاق فِي الطُّهْر الَّذِي مَسَّهَا فِيهِ فَإِنَّهَا إِنَّمَا حَرُمَ طَلَاقهَا فِي زَمَن الْحَيْض لِتَطْوِيلِ الْعِدَّة عَلَيْهَا فَإِنَّهَا لَا تَحْتَسِب بِبَقِيَّةِ الْحَيْضَة قُرْءًا اِتِّفَاقًا
فَتَحْتَاج إِلَى اِسْتِئْنَاف ثَلَاثَة قُرُوء كَوَامِل وَأَمَّا الطُّهْر فَإِنَّهَا تَعْتَدّ بِمَا بَقِيَ مِنْهُ قُرْءًا وَلَوْ كَانَ لَحْظَة فَلَا حَاجَة بِهَا إِلَى أَنْ يُرَاجِعهَا فَإِنَّ مَنْ قَالَ الْأَقْرَاء الْأَطْهَار كَانَتْ أَوَّل عِدَّتهَا عِنْده عَقِب طَلَاقهَا وَمَنْ قَالَ هِيَ الْحَيْض اِسْتَأْنَفَ بِهَا بَعْد الطُّهْر وَهُوَ لَوْ رَاجَعَهَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقهَا لَمْ يُطَلِّقهَا إِلَّا فِي طُهْر فَلَا فَائِدَة فِي الرَّجْعَة
هَذَا هُوَ الْفَرْق الْمُؤَثِّر بَيْن الصُّورَتَيْنِ
وَبَعْد فَفِيهِ إِشْكَال لَا يُنْتَبَهُ لَهُ إِلَّا مَنْ بِهِ خِبْرَة بِمَأْخَذِ الشَّرْع وَأَسْرَاره وَجَمْعه وَفَرْقه
وذلك أن النبي أَمَرَهُ أَنْ يُطَلِّقهَا إِذَا شَاءَ قَبْل أَنْ يَمَسّهَا وَقَالَ فَتِلْكَ الْعِدَّة الَّتِي أَمَرَ بِهَا اللَّه أَنْ تُطَلَّق لَهَا النِّسَاء وَهَذَا ظَاهِر فِي أَنَّ الْعِدَّة إِنَّمَا يَكُون اِسْتِقْبَالهَا مِنْ طُهْر لَمْ يَمَسّهَا فِيهِ إِنْ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا بِالْأَطْهَارِ وَأَمَّا طُهْر قَدْ أَصَابَهَا فِيهِ فلم يجعله النبي مِنْ الْعِدَّة الَّتِي أَمَرَ اللَّه أَنْ تُطَلَّق لَهَا النِّسَاء فَكَمَا لَا تَكُون عِدَّتهَا مُتَّصِلَة بِالْحَيْضَةِ الَّتِي طَلَّقَ فِيهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَكُون مُتَّصِلَة بِالطُّهْرِ الَّذِي مَسَّهَا فِيهِ
لِأَنَّ النبي سَوَّى بَيْنهمَا فِي الْمَنْع مِنْ الطَّلَاق فِيهِمَا وَأَخْبَرَ أَنَّ الْعِدَّة الَّتِي أَمَرَ بِهَا اللَّه أَنْ يُطَلَّق لَهَا النِّسَاء هِيَ مِنْ وَقْت الطُّهْر الَّذِي لَمْ يَمَسّهَا فِيهِ فَمِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّ الطُّهْر الَّذِي مَسَّهَا فِيهِ هُوَ أَوَّل الْعِدَّة الَّتِي أَمَرَ اللَّه أَنْ تُطَلَّق لَهَا النِّسَاء وَهَذَا مَذْهَب أَبِي عُبَيْد وَهُوَ فِي الظُّهُور وَالْحُجَّة كَمَا تَرَى وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد وَالشَّافِعِيّ وَمَالِك وَأَصْحَابهمْ لَوْ بَقِيَ مِنْ الطُّهْر لَحْظَة حُسِبَتْ لَهَا قُرْءًا وَإِنْ كَانَ قَدْ جَامَعَ فِيهِ إِذَا قُلْنَا الْأَقْرَاء الْأَطْهَار
قَالَ الْمُنْتَصِرُونَ لِهَذَا الْقَوْل إِنَّمَا حَرُمَ الطَّلَاق فِي زَمَن الْحَيْض دَفْعًا لِضَرَرِ تَطْوِيل الْعِدَّة عَلَيْهَا فَلَوْ لَمْ تُحْتَسَب بِبَقِيَّةِ الطُّهْر قُرْءًا كَانَ الطَّلَاق فِي زَمَن الطُّهْر أَضَرَّ بِهَا وَأَطْوَل عَلَيْهَا
وَهَذَا ضَعِيف جِدًّا فَإِنَّهَا إِذْ طَلُقَتْ فِيهِ قَبْل الْمَسِيس اُحْتُسِبَ بِهِ وَأَمَّا إِذَا طَلُقَتْ بَعْد الْمَسِيس كَانَ حُكْمهَا حُكْم الْمُطَلَّقَة فِي زَمَن الْحَيْض فَكَمَا لَا تُحْتَسَب بِبَقِيَّةِ الْحَيْضَة لَا تُحْتَسَب بِبَقِيَّةِ هَذَا الطُّهْر المسوسة فيه