. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَالُوا وَلَمْ يَحْرُم الطَّلَاق فِي الطُّهْر لِأَجْلِ التَّطْوِيل الْمَوْجُود فِي الْحَيْض بَلْ إِنَّمَا حَرُمَ لِكَوْنِهَا مُرْتَابَة فَلَعَلَّهَا قَدْ حَمَلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْء فَيَشْتَدّ نَدَمه إِذَا تَحَقَّقَ الْحَمْل وَيَكْثُر الضَّرَر
فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقهَا طَلَّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْر جِمَاع لِأَنَّهُمَا قَدْ تَيَقَّنَا عَدَم الرِّيبَة وَأَمَّا إِذَا ظَهَرَ الْحَمْل فَقَدْ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَة وَأَقْدَم عَلَى فِرَاقهَا حَامِلًا
قَالُوا فَهَذَا الْفَرْق بَيْن الطَّلَاق فِي الْحَيْض وَالطُّهْر الْمُجَامَع فِيهِ
قَالُوا وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَة إِنْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْ هَذَا الْوَطْء فَعِدَّتهَا بِوَضْعِ الْحَمْل وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَدْ حَمَلَتْ مِنْهُ فَهُوَ قُرْء صَحِيح فَلَا ضَرَر عَلَيْهَا فِي طَلَاقهَا فِيهِ
وَلِمَنْ نَصَرَ قَوْل أَبِي عُبَيْد أَنْ يَقُول الشَّارِع إِنَّمَا جَعَلَ اِسْتِقْبَال عِدَّة الْمُطَلَّقَة مِنْ طُهْر لَمْ يَمَسّهَا فِيهِ لِيَكُونَ الْمُطَلِّق عَلَى بَصِيرَة مِنْ أَمْره وَالْمُطَلَّقَة عَلَى بَصِيرَة مِنْ عِدَّتهَا أَنَّهَا بِالْأَقْرَاءِ
فَأَمَّا إِذَا مَسَّهَا فِي الطُّهْر ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَدْرِ أَحَامِلًا أَمْ حَائِلًا وَلَمْ تَدْرِ الْمَرْأَة أَعِدَّتهَا بِالْحَمْلِ أَمْ بِالْأَقْرَاءِ فَكَانَ الضَّرَر عَلَيْهِمَا فِي هَذَا الطَّلَاق أَشَدَّ مِنْ الضَّرَر فِي طَلَاقهَا وَهِيَ حَائِض فَلَا تُحْتَسَب بِبَقِيَّةِ ذَلِكَ الطُّهْر قُرْءًا كَمَا لَمْ يَحْتَسِب الشَّارِع بِهِ فِي جَوَاز إِيقَاع الطَّلَاق فِيهِ
وَهَذَا التَّفْرِيع كُلّه عَلَى أَقْوَال الْأَئِمَّة وَالْجُمْهُور
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُوقِع الطَّلَاق الْبِدْعِيّ فَلَا يَحْتَاج إِلَى شَيْء مِنْ هَذَا
وَقَوْله لِيُطَلِّقهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْحَامِل طَلَاقهَا سُنِّيّ قال بن عَبْد الْبَرّ لَا خِلَاف بَيْن الْعُلَمَاء أَنَّ الْحَامِل طَلَاقهَا لِلسُّنَّةِ قَالَ الْإِمَام أَحْمَد أَذْهَب إِلَى حَدِيث سَالِم عَنْ أَبِيهِ ثُمَّ لْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا وَعَنْ أَحْمَد رِوَايَة أُخْرَى أَنَّ طَلَاق الْحَامِل لَيْسَ بِسُنِّيٍّ وَلَا بِدْعِيّ وَإِنَّمَا يَثْبُت لَهَا ذَلِكَ مِنْ جِهَة الْعَدَد لامن جهة الوقت ولفظه الحمل في حديث بن عُمَر اِنْفَرَدَ بِهَا مُسْلِم وَحْده فِي بَعْض طُرُق الْحَدِيث
وَلَمْ يَذْكُرهَا الْبُخَارِيّ
فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ طَلَاقهَا سُنِّيًّا وَلَا بِدْعِيًّا لِأَنَّ الشَّارِع لَمْ يَمْنَع مِنْهُ
فَإِنْ قِيلَ إِذَا لَمْ يَكُنْ سُنِّيًّا كَانَ طَلَاقهَا بِدْعِيًّا لِأَنَّ النَّبِيّ إِنَّمَا أَبَاحَ طَلَاقهَا فِي طُهْر لَمْ يَمَسّهَا فِيهِ فَإِذَا مَسَّهَا فِي الطُّهْر وَحَمَلَتْ وَاسْتَمَرَّ حَمْلهَا اِسْتَمَرَّ الْمَنْع مِنْ الطَّلَاق فَكَيْف يُبِيحهُ تَجَدُّد ظُهُور الْحَمْل فَإِذَا لَمْ يَثْبُتُوا هَذِهِ اللَّفْظَة لَمْ يَكُنْ طَلَاق الْحَامِل جَائِزًا
فَالْجَوَاب أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ حَرُمَ الطَّلَاق بَعْد الْمَسِيس مَعْدُوم عِنْد ظُهُور الْحَمْل لِأَنَّ الْمُطَلِّق عِنْد ظُهُور الْحَمْل قَدْ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَة فَلَا يَخَاف ظُهُور أَمْر يَتَجَدَّد بِهِ النَّدَم وَلَيْسَتْ الْمَرْأَة مُرْتَابَة لِعَدَمِ اِشْتِبَاه الْأَمْر عَلَيْهَا بِخِلَافِ طَلَاقهَا مَعَ الشَّكّ فِي حَمْلهَا
وَاَللَّه أَعْلَم
وَقَوْله طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا اِحْتَجَّ بِهِ من قال الحامل لا تحيض لأنه حَرَّمَ الطَّلَاق فِي زَمَن الْحَيْض وَأَبَاحَهُ فِي وَقْت الطُّهْر وَالْحَمْل فَلَوْ كَانَتْ الْحَامِل تَحِيض لَمْ يُبَحْ طَلَاقهَا حَامِلًا إِذَا رَأَتْ الدَّم وَهُوَ خِلَاف الْحَدِيث