الْمَذْكُورَةِ مِنَ الْمَشْهُورَاتِ بَالْحِفْظِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُهَا الطَّوِيلُ فِي شَأْنِ الدَّجَّالِ وَلَمْ تَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً يَخْطُبُ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَوَعَتْهُ جَمِيعَهُ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهَا أَنْ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَقَالَ مَيْمُون بْن مِهْرَانَ لِسَعِيدِ بْن الْمُسَيِّب تِلْكَ اِمْرَأَة فَتَنَتْ النَّاس لَئِنْ كَانَتْ إِنَّمَا أَخَذَتْ بِمَا أَفْتَاهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فَتَنَتْ النَّاس وَإِنَّ لَنَا فِي رَسُول اللَّه أُسْوَة حَسَنَة
ثُمَّ رَدَّ خَبَرهَا بِأَنَّهَا اِمْرَأَة مِمَّا لَا يَقُول بِهِ أَحَد وَقَدْ أَخَذَ النَّاس بِرِوَايَةِ مَنْ هُوَ دُون فَاطِمَة وَبِخَبَرِ الْفُرَيْعَة وَهِيَ اِمْرَأَةٌ وَبِحَدِيثِ النِّسَاء كَأَزْوَاجِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرهنَّ مِنْ الصَّحَابِيَّات بَلْ قَدْ اِحْتَجَّ الْعُلَمَاء بِحَدِيثِ فَاطِمَة هَذَا بِعَيْنِهِ فِي أَحْكَام كَثِيرَة
مِنْهَا نَظَرَ الْمَرْأَة إِلَى الرَّجُل وَوَضْعهَا ثِيَابهَا فِي الْخَلْوَة وَجَوَاز الْخِطْبَة عَلَى خِطْبَة الْغَيْر إِذَا لَمْ تُجِبْهُ الْمَرْأَة وَلَمْ يَسْكُن إِلَيْهَا وَجَوَاز نِكَاح الْقُرَشِيَّة لِغَيْرِ الْقُرَشِيّ وَنَصِيحَة الرَّجُل لِمَنْ اِسْتَشَارَهُ فِي أَمْر يَعِيب مَنْ اِسْتَشَارَهُ فِيهِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِغِيبَةٍ وَمِنْهَا الْإِرْسَال بِالطَّلَاقِ فِي الْغَيْبَة
وَمِنْهَا التَّعْرِيض بِخُطْبَةِ الْمُعْتَدَّة الْبَائِن بِقَوْلِهِ لَا تَفُوتِينِي بِنَفْسِك
وَمِنْهَا اِحْتِجَاج الْأَكْثَرِينَ بِهِ عَلَى سُقُوط النَّفَقَة لِلْمَبْتُوتَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِحَامِلٍ
فَمَا بَال حَدِيثهَا مُحْتَجًّا بِهِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَام دُون سُقُوط السُّكْنَى فَإِنْ حَفِظَتْهُ فَهُوَ حُجَّة فِي الْجَمِيع وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْفُوظًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْتَجّ بِهِ فِي شَيْء
وَاَللَّه أَعْلَم
وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم فَإِنْ قَالَ قَائِل فَإِنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب اِتَّهَمَ حَدِيث فَاطِمَة بِنْت قَيْسٍ وَقَالَ لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا لِقَوْلِ اِمْرَأَة قُلْنَا لَا نَعْرِف أَنَّ عُمَر اِتَّهَمَهَا وَمَا كَانَ فِي حَدِيثهَا مَا تُتَّهَم لَهُ مَا حَدَّثَتْ إِلَّا بِمَا يَجِب وَهِيَ اِمْرَأَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهَا شَرَف وَعَقْل وَفَضْل وَلَوْ رُدَّ شَيْء مِنْ حَدِيثهَا كَانَ إِنَّمَا يُرَدّ مِنْهُ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِالْخُرُوجِ مِنْ بَيْت زَوْجهَا فَلَمْ تَذْكُر هِيَ لِمَ أُمِرَتْ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا أُمِرَتْ بِهِ لِأَنَّهَا اِسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا فَأَمَرَتْ بِالتَّحَوُّلِ عَنْهُمْ لِلشَّرِّ بَيْنهَا وَبَيْنهمْ فَكَأَنَّهُمْ أَحَبُّوا لَهَا ذِكْر السَّبَب الَّذِي لَهُ أُخْرِجَتْ لِئَلَّا يَذْهَب ذَاهِب إِلَى أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنْ تَعْتَدّ الْمَبْتُوتَة حَيْثُ شَاءَتْ فِي غَيْر بَيْت زَوْجهَا
وَهَذَا الَّذِي ذَكَره الشَّافِعِيّ هُوَ تَأْوِيل عَائِشَة بِعَيْنِهِ وَبِهِ أَجَابَتْ مَرْوَان لَمَا اِحْتَجَّ عَلَيْهَا بِالْحَدِيثِ كَمَا تَقَدَّمَ
وَلَكِنَّ هَذَا التَّأْوِيل مِمَّا لَا يَصِحّ دَفْع الْحَدِيث بِهِ مِنْ وُجُوهٍ
أَحَدهَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَذْكُورٍ فِي الْقِصَّة وَلَا عَلَّقَ عَلَيْهِ الْحُكْم قَطّ لَا بِاللَّفْظِ وَلَا بِالْمَفْهُومِ وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا فَتَعْلِيق الْحُكْم بِهِ تَعْلِيقٌ عَلَى وَصْف لَمْ يَعْتَبِرهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فِي لَفْظه قَطّ مَا يَدُلّ عَلَى إِسْقَاط السُّكْنَى بِهِ وَتَرْكٌ لِتَعْلِيقِ الْحُكْم بِالْوَصْفِ الَّذِي اِعْتَبَرَهُ وَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْم وَهُوَ عَدَم ثُبُوت الرَّجْعَة
الثَّانِي أَنَّكُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ فَإِنَّ الْمَرْأَة وَلَوْ اِسْتَطَالَتْ وَلَوْ عَصَتْ بِمَا عَسَى أَنْ تَعْصَى بِهِ لَا يَسْقُط