تَحْفَظَ مِثْلَ هَذَا وَتَنْسَى أَمْرًا مُتَعَلِّقًا بِهَا مُقْتَرِنًا بِفِرَاقِ زَوْجِهَا وَخُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِهِ
كَذَا فِي النَّيْلِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا
(لَقَدْ عَابَتْ ذَلِكَ) أَيْ قَوْلَ فَاطِمَةَ بِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى لِلْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنِ (فِي مَكَانٍ وَحْشٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ أَيْ خَالٍ لَيْسَ بِهِ أَنِيسٌ (فَلِذَلِكَ رَخَّصَ لَهَا) أي في الانتقال
قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
حَقّهَا مِنْ السُّكْنَى كَمَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا بَلْ كَانَ يُسْتَكْرَى لَهَا مِنْ حَقّهَا فِي مَال زَوْجهَا وَتَسْكُن نَاحِيَة
وَقَدْ أَعَاذَ اللَّه فَاطِمَة بِنْت قَيْس مِنْ ظُلْمهَا وَتَعَدِّيهَا إِلَى هَذَا الْحَدّ كَيْف وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَنِّفهَا بِذَلِكَ وَلَا نَهَاهَا عَنْهُ وَلَا قَالَ لَهَا إِنَّمَا أُخْرِجْت مِنْ بَيْتك بِظُلْمِك لِأَحْمَائِك بَلْ قَالَ لَهَا إِنَّمَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَة لِلْمَرْأَةِ إِذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا رَجْعَة وَهَذَا هُوَ الْوَجْه الثَّالِث وَهُوَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَر لَهَا السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله سَقَطَ حَقّهَا مِنْ السُّكْنَى وَهُوَ سُقُوط حَقّ الزَّوْج مِنْ الرَّجْعَة وَجَعَلَ هَذَا قَضَاء عَامًّا لَهَا وَلِغَيْرِهَا فَكَيْف يُعْدَل عَنْ هَذَا الْوَصْف إِلَى وَصْف لَوْ كَانَ وَاقِعًا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِير فِي الْحُكْم أَصْلًا وَقَدْ رَوَى الْحُمَيْدِيّ فِي مُسْنَده هَذَا الْحَدِيث وَقَالَ فِيهِ يَا اِبْنَة قَيْس إِنَّمَا لَك السُّكْنَى وَالنَّفَقَة مَا كَانَ لِزَوْجِك عَلَيْك الرَّجْعَة وَرَوَاهُ الْأَثْرَم فَأَيْنَ التَّعْلِيل بِسَلَاطَةِ اللِّسَان مَعَ هَذَا الْبَيَان ثُمَّ لَوْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا لَمَا اِحْتَاجَ عُمَر فِي رَدّه إِلَى قَوْله لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا لِقَوْلِ اِمْرَأَة بَلْ كَانَ يَقُول لَمْ يُخْرِجهَا مِنْ السُّكْنَى إِلَّا بَذَاؤُهَا وَسَلَطُهَا وَلَمْ يُعَلِّلهَا بِانْفِرَادِ الْمَرْأَة بِهِ وَقَدْ كَانَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقِف أَحْيَانًا فِي اِنْفِرَاد بَعْض الصَّحَابَة كَمَا طَلَب مِنْ أَبِي مُوسَى شَاهِدًا عَلَى رِوَايَته وَغَيْره
وَقَدْ أَنْكَرَتْ فَاطِمَة عَلَى مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهَا وَرَدَّتْ عَلَى مَنْ رَدَّ عَلَيْهَا وَانْتَصَرَتْ لِرِوَايَتِهَا وَمَذْهَبهَا
رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ
وَقَدْ قَضَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المتلاعنين أن لا يبت لَهَا عَلَيْهِ وَلَا قُوت وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَة نَصّ لَكَانَ الْقِيَاس يَقْتَضِي سُقُوط النَّفَقَة وَالسُّكْنَى لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَجِب فِي مُقَابَلَة التَّمْكِين مِنْ الِاسْتِمْتَاع وَالْبَائِن قَدْ فُقِدَ فِي حَقّهَا ذَلِكَ وَلِهَذَا وَجَبَتْ لِلرَّجْعِيَّةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاع بِهَا وَأَمَّا الْبَائِن فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَى الِاسْتِمْتَاع بِهَا إِلَّا بِمَا يَصِل بِهِ إِلَى الْأَجْنَبِيَّة وَحَبْسهَا لِعِدَّتِهِ لَا يُوجِب نَفَقَة كَمَا لَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ وَكَالْمُلَاعَنَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجهَا
وَاَللَّه أَعْلَم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute