الِاسْتِفْهَامِ مُقَدَّرٌ
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ لِصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ لَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ
قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَ بَقِيَّةَ النَّهَارِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَعُرْوَةَ عَدَمُ الْقَضَاءِ وَعَنْ عُمَرَ يَقْضِي وَفِي آخَرَ لَا رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَضُعِّفَتِ الثَّانِيَةُ النَّافِيَةُ وفي هذا الحديث كما قاله بن الْمُنِيرِ أَنَّ الْمُكَلَّفِينَ إِنَّمَا خُوطِبُوا بَالظَّاهِرِ فَإِذَا اجْتَهَدُوا فَأَخْطَئُوا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ انتهى
قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ قَالَ مَعْمَرٌ سَمِعْتُ هِشَامًا يَقُولُ لَا أَدْرِي أَقَضَوْا أَمْ لَا
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
أُمِرَ بِهِ وَاسْتَحَبَّهُ لَهُ الشَّارِع فَكَيْف يَفْسُد صَوْمه وَفَسَاد صَوْم النَّاسِي أَوْلَى مِنْهُ لِأَنَّ فِعْله غَيْر مَأْذُون لَهُ فِيهِ بَلْ غَايَته أنه عفو فهو دون المخطىء الْجَاهِل فِي الْعُذْر وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمْ يُفَرِّق بَيْنهمَا فِي الْحَجّ وَلَا فِي مُفْسِدَات الصَّلَاة كَحَمْلِ النَّجَاسَة وَغَيْر ذَلِكَ وَمَا قِيلَ مِنْ الْفَرْق بَيْنهمَا بِأَنَّ النَّاسِي غَيْر مُكَلَّف وَالْجَاهِل مُكَلَّف إِنْ أُرِيد بِهِ التَّكْلِيف بِالْقَضَاءِ فَغَيْر صَحِيح لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمُتَنَازَع فِيهِ وَإِنْ أُرِيد بِهِ أَنَّ فِعْل النَّاسِي لَا يَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلْإِثْمِ وَلَا يَتَنَاوَلهُ الْخِطَاب الشَّرْعِيّ فَكَذَلِكَ فِعْل المخطىء وإن أريد أن المخطىء ذَاكِر لِصَوْمِهِ مُقَدَّم عَلَى قَطْعه فَفِعْله دَاخِل تَحْت التَّكْلِيف بِخِلَافِ النَّاسِي فَلَا يَصِحّ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَعْتَقِد خُرُوج زَمَن الصَّوْم وَأَنَّهُ مَأْمُور بالفطر فهو مقدم على فعل ما يعقده جَائِزًا وَخَطَؤُهُ فِي بَقَاء الْيَوْم كَنِسْيَانِ الْآكِل فِي الْيَوْم فَالْفِعْلَانِ سَوَاء فَكَيْف يَتَعَلَّق التَّكْلِيف بِأَحَدِهِمَا دُون الْآخِر وَأَجْوَد مَا فُرِّقَ بِهِ بَيْن الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْمُخْطِئ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ إِتْمَام صَوْمه بِأَنْ يُؤَخِّر الْفِطْر حَتَّى يَتَيَقَّن الْغُرُوب بِخِلَافِ النَّاسِي فَإِنَّهُ لَا يُضَاف إِلَيْهِ الْفِعْل وَلَمْ يَكُنْ يُمَكِّنهُ الِاحْتِرَاز وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فَرْقًا فِي الظَّاهِر فَهُوَ غَيْر مُؤَثِّر فِي وُجُوب الْقَضَاء كَمَا لَمْ يُؤَثِّر فِي الْإِثْم اِتِّفَاقًا وَلَوْ كَانَ مَنْسُوبًا إِلَى تَفْرِيطٍ لَلَحِقَهُ الْإِثْم فَلَمَّا اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْإِثْم مَوْضُوع عَنْهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْله غَيْر مَنْسُوب فِيهِ إِلَى تَفْرِيط لَا سِيَّمَا وَهُوَ مَأْمُور بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى الْفِطْر وَالسَّبَب الَّذِي دَعَاهُ إِلَى الْفِطْر غَيْر مَنْسُوب إِلَيْهِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ النِّسْيَان فِي مَسْأَلَة النَّاسِي وَظُهُور الظُّلْمَة وخفاء النهار في صورة المخطىء فهذا أطعمه الله وسقاه بالنسيان وهذا أطعممه اللَّه وَسَقَاهُ بِإِخْفَاءِ النَّهَار وَلِهَذَا قَالَ صُهَيْب هِيَ طُعْمَة اللَّه وَلَكِنَّ هَذَا أَوْلَى فَإِنَّهَا طُعْمَة اللَّه إِذْنًا وَإِبَاحَة وَإِطْعَام النَّاسِي طُعْمَته عَفْوًا وَرَفْع حَرَج فَهَذَا مُقْتَضَى الدَّلِيل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute