للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

به فإن بن عباس لم يقل شهدت رسول الله وَلَا رَأَيْته فَعَلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا رَوَى ذَلِكَ رِوَايَة مُطْلَقَة وَمِنْ الْمَعْلُوم أَنَّ أَكْثَر رِوَايَات بن عَبَّاس إِنَّمَا أَخَذَهَا مِنْ الصَّحَابَة وَاَلَّذِي فِيهِ سماعه من النبي لَا يَبْلُغ عِشْرِينَ قِصَّة كَمَا قَالَهُ غَيْر وَاحِد مِنْ الْحُفَّاظ فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ بن عَبَّاس لَمْ يَرْوِ هَذَا عَنْ صَحَابِيّ آخَر كأكثر رواياته وقد روى بن عَبَّاس أَحَادِيث كَثِيرَة مَقْطُوع بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعهَا من النبي وَلَا شَهِدَهَا وَنَحْنُ نَقُول إِنَّهَا حُجَّة لَكِنْ لَا نُثْبِت بِذَلِكَ تَأَخُّرهَا وَنَسْخهَا لِغَيْرِهَا مَا لَمْ يُعْلَم التَّارِيخ

وَبِالْجُمْلَةِ فَدَعْوَى النَّسْخ إِنَّمَا تَثْبُت بِشَرْطَيْنِ أَحَدهمَا تَعَارُض الْمُفَسَّر وَالثَّانِي الْعِلْم بِتَأَخُّرِ أَحَدهمَا

وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَسْأَلَتِنَا بَلْ مِنْ الْمَقْطُوع بِهِ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّة لَمْ تَكُنْ فِي رَمَضَان فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحْرِم فِي رَمِضَانِ فَإِنَّ عُمَرَهُ كُلَّهَا كَانَتْ فِي ذِي الْقِعْدَة وَفَتْح مَكَّة كَانَ فِي رَمَضَان وَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا فَغَايَتهَا فِي صَوْم تَطَوُّع فِي السَّفَر وَقَدْ كَانَ آخر الأمرين من رسول الله الْفِطْر فِي السَّفَر وَلَمَّا خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَة عَام الْفَتْح صَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيد ثُمَّ أَفْطَرَ وَالنَّاس يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ ثُمَّ لَمْ يُحْفَظ عَنْهُ أَنَّهُ صَامَ بَعْد هَذَا فِي سَفَر قَطُّ وَلَمَّا شَكَّ الصَّحَابَة فِي صِيَامه يَوْم عَرَفَة أَرْسَلُوا أُمّ الْفَضْل إِلَيْهِ بِقَدَحٍ فَشَرِبَهُ فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا فَقِصَّة الِاحْتِجَام وَهُوَ صَائِم مُحْرِم إِمَّا غَلَط كَمَا قَالَ الْإِمَام أَحْمَد وَغَيْره وَإِمَّا قَبْل الْفَتْح قَطْعًا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا يُعَارَض بِهَا قَوْله عَام الْفَتْح أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم

وَعَلَى هَذَا فَحَدِيث بن عَبَّاس إِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْحِجَامَة لَا تفطر أَوْ لَا يَدُلّ

فَإِنْ لَمْ يَدُلّ لَمْ يَصْلُح لِلنَّسْخِ

وَإِنْ دَلَّ فَهُوَ مَنْسُوخ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيث شَدَّاد فَإِنَّهُ مُؤَرَّخ بِعَامِ الفتح فهو متأخر عن إحرام النبي صَائِمًا وَتَقْرِيره مَا تَقَدَّمَ

وَهَذَا الْقَلْب فِي دَعْوَى كَوْنه مَنْسُوخًا أَظْهَر مِنْ ثُبُوت النَّسْخ بِهِ

وَعِيَاذًا بِاَللَّهِ مِنْ شَرّ مُقَلِّد عَصَبِيٍّ يَرَى الْعِلْم جَهْلًا وَالْإِنْصَاف ظُلْمًا وَتَرْجِيح الرَّاجِح عَلَى الْمَرْجُوح عُدْوَانًا

وَهَذَا الْمَضَايِق لَا يُصِيب السَّالِك فِيهَا إِلَّا مَنْ صَدَقَتْ فِي الْعِلْم نِيَّته وَعَلَتْ هِمَّته

وَأَمَّا مَنْ أَخْلَدَ إِلَى أَرْض التَّقْلِيد وَاسْتَوْعَرَ طَرِيق التَّرْجِيح فَيُقَال لَهُ مَا هَذَا عُشُّك فَادْرُجِي

قَالُوا وَأَمَّا حَدِيث أَنَس فِي قِصَّة جَعْفَر فَجَوَابنَا عَنْهُ مِنْ وُجُوه أَحَدهَا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَة خَالِد بْن مخلد عن بن الْمُثَنَّى قَالَ الْإِمَام أَحْمَد خَالِد بْن مُخَلَّد لَهُ مَنَاكِير

قَالُوا وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيث مِنْ مَنَاكِيره أَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَد مِنْ أَهْل الْكُتُب الْمُعْتَمَدَة لَا أَصْحَاب الصَّحِيح وَلَا أَحَد مِنْ أَهْل السُّنَن مَعَ شُهْرَة إِسْنَاده وَكَوْنه فِي الظَّاهِر عَلَى شَرْط الْبُخَارِيِّ وَلَا اِحْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ مَعَ حَاجَته إِلَى إِثْبَات النَّسْخ حَتَّى سَلَكَ ذَلِكَ الْمَسْلَك في حديث بن عَبَّاس فَلَوْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا لَكَانَ أَظْهَر دَلَالَة وَأَبْيَن فِي حُصُول النَّسْخ

<<  <  ج: ص:  >  >>