. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَالُوا وَأَيْضًا فَجَعْفَر إِنَّمَا قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَة عَام خَيْبَر أَوْ آخِر سَنَة سِتّ وَأَوَّل سَنَة سَبْع وَقِيلَ عَام مُؤْتَة قَبْل الْفَتْح ولم يشهد الفتح فصام مع النبي رمضانا واحدا سنة سبع وقول النبي أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم بَعْد ذَلِكَ فِي الْفَتْح سَنَة ثَمَان فَإِنْ كَانَ حَدِيث أَنَس مَحْفُوظًا فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ التَّرْخِيص وَقَعَ بَعْد عَام الْفَتْح وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ التَّرْخِيص وَقَعَ بَعْد قِصَّة جَعْفَر وَعَلَى هَذَا فَقَدْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي التَّرْخِيص وَقَوْله فِي الْفَتْح أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم أَيّهمَا هُوَ الْمُتَأَخِّر وَلَوْ كَانَ حَدِيث أَنَس قَدْ ذَكَر فِيهِ التَّرْخِيص بَعْد الْفَتْح لَكَانَ حُجَّة وَمَعَ وُقُوع الشَّكِّ فِي التَّارِيخ لَا يَثْبُت النَّسْخ
قَالُوا وَأَيْضًا فَاَلَّذِي يُبَيِّن أَنَّ هَذَا لَا يَصِحّ عَنْ أَنَس مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحه عَنْ ثَابِت قَالَ سُئِلَ أَنَس أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَة لِلصَّائِمِ قَالَ لَا إِلَّا مِنْ أَجْل الضَّعْف وَفِي رِوَايَة على عهد النبي فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ أَنَسًا لَمْ تَكُنْ عنده رواية عن النبي أَنَّهُ فَطَّرَ بِهَا وَلَا أَنَّهُ رَخَّصَ فِيهَا بَلْ الَّذِي عِنْده كَرَاهَتهَا مِنْ أَجْل الضَّعْف وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ النَّبِيّ رَخَّصَ فِيهَا بَعْد الْفِطْر بِهَا لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يُجِيب بِهَذَا مِنْ رَأْيه وَلَمْ يَكْرَه شَيْئًا رَخَّصَ فِيهِ رسول الله
وَأَيْضًا فَمِنْ الْمَعْلُوم أَنَّ أَهْل الْبَصْرَة أَشَدّ النَّاس فِي التَّفْطِير بِهَا
وَذَكَر الْإِمَام أَحْمَد وَغَيْره أَنَّ أَهْل الْبَصْرَة كَانُوا إِذَا دَخَلَ شَهْر رَمَضَان يُغَلِّقُونَ حَوَانِيت الْحَجَّامِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مذهب الحسن وبن سِيرِينَ إِمَامَيْ الْبَصْرَة أَنَّهُمَا كَانَا يُفَطِّرَانِ بِالْحِجَامَةِ مَعَ أَنَّ فَتَاوَى أَنَس نُصْب أَعْيُنهمْ وَأَنَس آخِر مِنْ مَاتَ بِالْبَصْرَةِ مِنْ الصَّحَابَة فَكَيْف يكون عند أنس أن النبي رَخَّصَ فِي الْحِجَامَة لِلصَّائِمِ بَعْد نَهْيه عَنْهُمَا وَالْبَصْرِيُّونَ يَأْخُذُونَ عَنْهُ وَهُمْ عَلَى خِلَاف ذَلِكَ
وَعَلَى الْقَوْل بِالْفِطْرِ بِهَا لَا سِيَّمَا وَحَدِيث أَنَس فِيهِ أَنَّ ثَابِتًا سَمِعَهُ مِنْهُ وَثَابِت مِنْ أَكْبَر مَشَايِخ أَهْل الْبَصْرَة وَمِنْ أَخَصَّ أَصْحَاب الْحَسَن فَكَيْف تَشْتَهِر بَيْن أَهْل الْبَصْرَة السُّنَّة الْمَنْسُوخَة وَلَا يَعْلَمُونَ النَّاسِخَة وَلَا يَعْمَلُونَ بِهَا وَلَا تُعْرَف بَيْنهمْ وَلَا يَتَنَاقَلُونَهَا بَلْ هُمْ عَلَى خِلَافهَا هَذَا مُحَال
قَالُوا وَأَيْضًا فَأَبُو قِلَابَة مِنْ أَخَصَّ أَصْحَاب أَنَس وَهُوَ الَّذِي يَرْوِي قَوْله أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم مِنْ طَرِيق أَبِي أَسْمَاء عَنْ ثَوْبَان وَمِنْ طَرِيق أَبِي الْأَشْعَث عَنْ شَدَّاد
وَعَلَى حَدِيثه اِعْتَمَدَهُ أَئِمَّة الْحَدِيث وَصَحَّحُوهُ وَشَهِدُوا أَنَّهُ أَصَحّ أَحَادِيث الْبَاب
فَلَوْ كَانَ عِنْد أَنَس عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَنْسَخ ذَلِكَ لَكَانَ أَصْحَابه أَعْلَم بِهَا وَأَحْرَص عَلَى رِوَايَتهَا مِنْ أَحَادِيث الْفِطْر بِهَا
وَاَللَّه أَعْلَم
قَالُوا وَأَمَّا حَدِيث أَبِي سَعِيد فَجَوَابه مِنْ وُجُوه أَحَدهَا أَنَّهُ حَدِيث قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَيْهِ فَرَوَاهُ أَبُو الْمُتَوَكِّل عَنْهُ وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فَرَفَعَهُ الْمُعْتَمِر عَنْ حُمَيْد عَنْ أَبِي المتوكل ووقفه بشر وإسماعيل وبن أَبِي عَدِيٍّ عَنْ حُمَيْد وَوَقَفَهُ أَبُو نَضْرَة عَنْ أَبِي سَعِيد وَأَبُو نضرة مِنْ أَرْوَى النَّاس عَنْهُ وَأَعْلَمهُمْ بِحَدِيثِهِ
وَوَقَفَهُ قَتَادَة عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّل فَالْوَاقِفُونَ لَهُ أَكْثَر وَأَشْهَر فَالْحُكْم لَهُمْ عِنْد الْمُحَدِّثِينَ