. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الثَّانِي أَنَّ ذِكْر الْحِجَامَة فِيهِ لَيْسَ مِنْ كلام النبي
قال بن خُزَيْمَة الصَّحِيح أَنَّ ذِكْرَ الْحِجَامَة فِيهِ مِنْ كَلَام أَبِي سَعِيد وَلَكِنَّ بَعْض الرُّوَاة أَدْرَجَهُ فِيهِ
الثَّالِث أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَان لِلتَّارِيخِ وَلَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ هَذَا التَّرْخِيص كَانَ بَعْد الْفَتْح وَقَوْلكُمْ إِنَّ الرُّخْصَة لَا تَكُون إِلَّا بَعْد النَّهْي بَاطِل بِنَفْسِ الْحَدِيث فَإِنَّ فيه رخص رسول الله فِي الْقُبْلَة لِلصَّائِمِ وَلَمْ يَتَقَدَّم مِنْهُ نَهْيٌ عَنْهَا
وَلَا قَالَ أَحَد إِنَّ هَذَا التَّرْخِيص فِيهَا نَاسِخ لِمَنْعٍ تَقَدَّمَ
وَفِي الْحَدِيث إِنَّ الْمَاء مِنْ الْمَاء
كَانَتْ رُخْصَة فِي أَوَّل الْإِسْلَام فَسَمَّى الْحُكْم الْمَنْسُوخ رُخْصَة مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّم حَظْره بَلْ الْمَنْع مِنْهُ مُتَأَخِّر
وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْمَآخِذ لَا تُعَدّ مُقَاوِمَة لِأَحَادِيث الْفِطْر وَلَا تَأَخَّرَتْ عَنْهَا فَكَيْف تُنْسَخ بِهَا قَالُوا وَأَمَّا جَوَابكُمْ الثَّالِث بِأَنَّ الْفِطْر فِيهَا لَمْ يَكُنْ لِلْحِجَامَةِ وَذِكْرُ الْحَاجِم لِلتَّعْرِيفِ الْمَحْض كَزَيْدٍ وَعُمَر فِي غَايَة الْبُطْلَان مِنْ وُجُوه أَحَدهَا أَنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّن الْإِبْهَام وَالتَّلْبِيس بِأَنْ يَذْكُر وَصْفًا يُرَتِّب عَلَيْهِ الْحُكْم وَلَا يَكُون لَهُ فِيهِ تَأْثِير الْبَتَّة
الثَّانِي أَنَّ هَذَا يُبْطِل عَامَّة أَحْكَام الشَّرْع الَّتِي رَتَّبَهَا عَلَى الْأَوْصَاف إِذَا تَطَرَّقَ إِلَيْهَا هَذَا الْخَيَال وَالْوَهْم الْفَاسِد كَقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَة وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا} {وَالسَّارِق وَالسَّارِقَة فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} {وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَة} وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَيْسَ بِأَيْدِينَا إِلَّا أوصاف رتبت عليها الأحكام
فإن جار أَنْ تَكُون تِلْكَ الْأَوْصَاف لِلتَّعْرِيفِ لَا لِلتَّعْلِيلِ بَطَلَتْ الْأَحْكَام
الثَّالِث أَنَّهُ لَا يَفْهَم قَطّ أَحَد لَا مِنْ الْخَاصَّة وَالْعَامَّة مِنْ قَوْل القائل القاتل لا يرث والعبد لا يرث والكافر لا يرث والقاذف لا تقبل شهادته والمحدث لَا تَصِحّ صَلَاته وَأَمْثَال ذَلِكَ إِلَّا تَعَلُّق الأحكام تلك الْأَوْصَاف وَلِهَذَا لَا يَحْسُن ذِكْرُ وَصْفٍ لَا تَأْثِير لَهُ فِي الْحُكْم كَمَا لَوْ قَالَ أَفْطَرَ الْخَيَّاط وَالْمَخِيط لَهُ وَأَفْطَرَ الْحَامِل وَالْمَحْمُول لَهُ وَأَفْطَرَ الشَّاهِد وَالْمَشْهُود لَهُ وَمَنْ قَالَ هَذَا عُدَّ كَلَامُهُ سُخْفًا وَتَعَجَّبَ النَّاس مِنْ قَوْله فَكَيْف يُضَاف ذَلِكَ إِلَى الشَّارِع سُبْحَانك هَذَا بُهْتَان عَظِيم
الرَّابِع أَنَّ هَذَا قَدْحٌ فِي أَفْهَام الصَّحَابَة الَّذِينَ هُمْ أَعْرَف النَّاس وَأَفْهَم النَّاس بِمُرَادِ نَبِيّهمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَقْصُودِهِ مِنْ كَلَامه وَقَدْ قَالَ أَبُو مُوسَى لِرَجُلٍ قَالَ لَهُ أَلَا تَحْتَجِم نَهَارًا أَتَأْمُرُنِي أَنْ أُهْرِيقَ دَمِي وَأَنَا صَائِم وَقَدْ سمعت رسول الله يَقُول أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم وَاَلَّذِينَ فَطَّرُوا بِذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَة كَعَلِيٍّ وَأَبِي مُوسَى وَغَيْرهمْ إِنَّمَا يَحْتَجُّونَ بِالْحَدِيثِ وَكَانَ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة لَا يَحْتَجِمُونَ فِي الصِّيَام إِلَّا لَيْلًا مِنْهُمْ عَبْد الله بن عمرو وبن عَبَّاس وَأَبُو مُوسَى وَأَنَس وَيَحْتَجُّونَ بِالْحَدِيثِ