كُلِّ حَالٍ تَجَنُّبُ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ أَوْلَى فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ قَوْلِهِ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ عَلَى الْمَجَازِ لِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ الصَّارِفَةِ لَهُ عَنْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
(إِلَّا كَرَاهِيَةَ الْجَهْدِ) أَيِ الْمَشَقَّةِ وَالتَّعَبِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ شَبَابَةُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْحِجَامَة تُفْطِر لَهُمْ فِيهَا أَرْبَعَة أَقْوَال أَحَدهَا أَنَّ الْمُحْتَجِم يُفْطِر وَحْده دُون الْحَاجِم وَهَذَا ظَاهِر كَلَام الْخِرَقِيّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُفْطِرَات لَوْ اِحْتَجَمَ وَلَمْ يَقُلْ أَوْ حُجِمَ
الثَّانِي وَهُوَ مَنْصُوص الْإِمَام أَحْمَد أَنَّهُ يفطر كُلّ مِنْهُمَا وَهَذَا قَوْل جُمْهُور أَصْحَابه الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ
ثُمَّ اِخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي التَّشْرِيط وَالْفِصَاد عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال أَحَدهَا أَنَّهُ لَا يُفْطِر بِهِمَا
الثَّانِي يُفْطِر بِهِمَا
الثَّالِث يُفْطِر بِالتَّشْرِيطِ دُون الْفِصَاد لِأَنَّ التَّشْرِيط عِنْدهمْ كَالْحِجَامَةِ
وَاخْتَلَفُوا فِي التَّشْرِيط وَالْفِصَاد
أَيّهمَا أَوْلَى بِالْفِطْرِ وَالصَّوَاب الْفِطْر بِالْحِجَامَةِ وَالْفِصَاد وَالتَّشْرِيط وَهُوَ اِخْتِيَار شَيْخنَا أَبِي الْعَبَّاس بْن تَيْمِيَّةَ وَاخْتِيَار صَاحِب الْإِفْصَاح لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَوْجُود فِي الْحِجَامَة مَوْجُود فِي الْفِصَاد طَبْعًا وَشَرْعًا وَكَذَلِكَ فِي التَّشْرِيط وَقَدْ بَيَّنَا أَنَّ الْفِطْر بِالْحِجَامَةِ هُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاس وَلَا فَرْق فِي ذَلِكَ بَيْن الْفِصَاد وَالتَّشْرِيط فَبِأَيِّ وَجْه أَخْرَجَ الدَّم أَفْطَرَ بِهِ كَمَا يُفْطِر بِالِاسْتِقَاءِ بِأَيِّ وَجْه اسْتَقَاء إِمَّا بِإِدْخَالِ يَده فِي فِيهِ أَوْ بِشَمِّهِ مَا يَقِيئهُ أَوْ بِوَضْعِ يَده عَلَى بَطْنه وَتَطَامُنِه وَغَيْر ذَلِكَ فَالْعِبْرَة بِخُرُوجِ الدَّم عَمْدًا لَا بِكَيْفِيَّةِ الْإِخْرَاج كَمَا اِسْتَوَى خُرُوج الدَّم بِذَلِكَ فِي إِفْسَاد الصَّلَاة وَنَقْضِ الطَّهَارَة عِنْد الْقَائِلِينَ بِهِ
وَبِهَذَا يَتَبَيَّن تَوَافُق النُّصُوص وَالْقِيَاس وَشَهَادَة أُصُول الشَّرْع وَقَوَاعِده وَتَصْدِيق بَعْضهَا بَعْضًا
فَإِنْ قِيلَ فهب أن هذا يتأتى لكم في الهجوم فَمَا الْمُوجِب لِفِطْرِ الْحَاجِم قُلْنَا لَمَّا كَانَ الْحَاجِم يَجْتَذِب الْهَوَاء الَّذِي فِي الْقَارُورَة بِامْتِصَاصِهِ الْهَوَاء يَجْتَذِب مَا فِيهَا مِنْ الدَّم فَرُبَّمَا صَعِدَ مَعَ الْهَوَاء شَيْء مِنْ الدَّم وَدَخَلَ فِي حَلْقه وَهُوَ لَا يَشْعُر وَالْحِكْمَة إِذَا كَانَتْ خَفِيَّة عُلِّقَ الْحُكْم بِمَظِنَّتِهَا كَمَا أَنَّ النَّائِم لَمَّا كَانَ قَدْ يَخْرُج مِنْهُ الرِّيح وَلَا يَشْعُر بِهَا عُلِّقَ الْحُكْم بِالْمَظِنَّةِ وَهُوَ النَّوْم وَإِنْ لَمْ يَخْرُج مِنْهُ رِيح
فَإِنْ قِيلَ فَطَرْد هَذَا أَنْ لَا يُفْطِر الشَّارِط
قُلْنَا نَعَمْ وَلَا الْحَاجِم الَّذِي يَشْرِط وَلَا يَمُصّ أَوْ يَمُصّهُ مُفْطِر غَيْره وَلَيْسَ فِي هذا مخالفة للنص فإن كلام النبي خَرَجَ عَلَى الْحَاجِم الْمُعْتَاد وَهُوَ الَّذِي يَمُصّ الدَّم وَكَلَامه إِنَّمَا يَعُمّ الْمُعْتَاد فَاسْتِعْمَال اللَّفْظ فِيهِ بِقَصْرِهِ عَلَى الْحَاجِم الْمُعْتَاد لَا يَكُون تَعْطِيلًا لِلنَّصِّ وَاَللَّه أَعْلَم