. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَيُقَال ثَانِيًا لَوْ قُدِّرَ تَعَارُضهَا فَالْأَخْذ بِأَحَادِيث الْفِطْر مُتَعَيَّن لِأَنَّهَا نَاقِلَة عَنْ الْأَصْل وَأَحَادِيث الْإِبَاحَة مُوَافِقَة لِمَا كَانَ الْأَمْر عَلَيْهِ قَبْل جَعْلهَا مُفْطِرَة وَالنَّاقِل مُقَدَّم عَلَى الْمُبْقِي
وَيُقَال ثَالِثًا لَيْسَ فِي أَحَادِيث الرُّخْصَة لَفْظ صَرِيح وَإِنَّمَا غَايَتهَا أَنْ تَكُون فِعْلًا مُحْتَمِلًا لِلْوُجُوهِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فَكَيْف تُقَدَّم عَلَى الْقَوْل الصَّرِيح وَيُقَال رَابِعًا أَحَادِيث الْفِطْر صَرِيحَة مُتَعَدِّدَة الطُّرُق رواها عن النبي أَرْبَعَة عَشْر نَفْسًا وَسَاقَ الْإِمَام أَحْمَد أَحَادِيثهمْ كُلّهَا وَهُمْ رَافِع بْن خَدِيج وَثَوْبَان وَشَدَّاد بْن أَوْس وَأَبُو هُرَيْرَة وَعَائِشَة وَبِلَال وَأُسَامَة بْن زَيْد وَمَعْقِل بْن سِنَان وَعَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَسَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَأَبُو زيد الأنصاري وأبو موسى الأشعري وبن عباس وبن عُمَر فَكَيْف يُقَدَّم عَلَيْهَا أَحَادِيث هِيَ بَيْن أَمْرَيْنِ صَحِيح لَا دَلَالَة فِيهِ أَوْ مَا فِيهِ دَلَالَة وَلَكِنْ هُوَ غَيْر صَحِيح وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي الْكَلَام عَلَى الْأَحَادِيث وَبَيَّنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا حَدِيث وَاحِد يَصْلُح لِلْمُعَارَضَةِ
وَعَلَى هَذَا فَالْقِيَاس الَّذِي أَشَرْتُمْ إِلَيْهِ فَاسِد الِاعْتِبَار
ثُمَّ نَقُول بَلْ الْقِيَاس مِنْ جَانِبنَا لِأَنَّ الشَّارِع عَلَّقَ الْفِطْر بِإِدْخَالِ مَا فِيهِ قِوَام الْبَدَن مِنْ الطَّعَام وَالشَّرَاب وَبِإِخْرَاجِهِ
مِنْ الْقَيْء وَاسْتِفْرَاغ الْمَنِيّ وَجَعَلَ الْحَيْض مَانِعًا مِنْ الصَّوْم لِمَا فِيهِ مِنْ خُرُوج الدَّم الْمُضْعِف لِلْبَدَنِ
قَالُوا فَالشَّارِع قَدْ نَهَى الصَّائِم عَنْ أَخْذ مَا يُعِينهُ وَعَنْ إِخْرَاج مَا يُضْعِفهُ وَكِلَاهُمَا مَقْصُود لَهُ لِأَنَّ الشَّارِع أَمَرَ بِالِاقْتِصَادِ فِي الْعِبَادَات وَلَا سِيَّمَا فِي الصَّوْم وَلِهَذَا أَمَرَ بِتَعْجِيلِ الْفُطُور وَتَأْخِير السُّحُور فَلَهُ قَصْد فِي حِفْظ قُوَّة الصَّائِم عَلَيْهِ كَمَا لَهُ قَصْد فِي مَنْعه مِنْ إِدْخَال الْمُفْطِرَات وَشَاهِده الْفِطْر بِالْقَيْءِ وَالْحَيْض وَالِاسْتِمْنَاء فَالْحِجَامَة كَذَلِكَ أو أَوْلَى وَلَيْسَ مَعَنَا فِي الْقَيْء مَا يُمَاثِل أَحَادِيث الْحِجَامَة فَيَكْفِ يُفْطِر بِهِ دُون الْحِجَامَة مَعَ أَنَّ الْفِطْر بِهَا أَوْلَى مِنْهُ نَصًّا وَقِيَاسًا وَاعْتِبَارًا
قَالُوا وَلِهَذَا فَرَّقَ بَيْن الْغَالِب مِنْهُمَا وَالْمُسْتَدْعَى فَلَا يُفْطِر إِذَا ذَرَعَهُ الْقَيْء كَمَا لَا يُفْطِر بِالرُّعَافِ وَخُرُوج الدَّم مِنْ الدمل والجرح وكما يفطر الاستقاء عَمْدًا كَذَلِكَ يُفْطِر بِإِخْرَاجِ الدَّم عَمْدًا بِالْحِجَامَةِ
قَالُوا وَشَاهِده أَنَّ دَم الْحَيْض لَمَّا كَانَ يَجْرِي فِي وَقْت وَيَنْقَطِع فِي وَقْت جَعَلَ الشَّارِع صَوْمهَا فِي وَقْت الطُّهْر مُغْنِيًا عَنْ صَوْمهَا وَقْت الدَّم وَلَمَّا كَانَ دَم الِاسْتِحَاضَة لَا ضَابِط لَهُ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَمِرّ جَوَّزَ لَهَا الصَّوْم مَعَ جَرَيَانه كَصَاحِبِ الرُّعَاف وَنَحْوه فَلَيْسَ الْقِيَاس إِلَّا مَعَ النُّصُوص يَدُور مَعَهَا حَيْثُ دَارَتْ
وَأَمَّا قِيَاسُكُمْ ذَلِكَ عَلَى الْفِصَاد ونحوه
فتقول