. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
السَّادِس أَنَّ مَعْقِل بْن سِنَان قَالَ مَرَّ بي رسول الله وَأَنَا أَحْتَجِم فَقَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم وَلَمْ يَكُنْ يَغْتَاب أَحَدًا وَلَا جَرَى لِلْغِيبَةِ ذِكْرٌ أَصْلًا
قَالُوا وَأَمَّا الْجَوَاب الْوَاقِع بِأَنَّ أَفْطَر بِمَعْنَى سَيُفْطِرُ فَفَاسِد أَيْضًا لِتَضَمُّنِهِ الْإِيهَام بِخِلَافِ الْمُرَاد وَلِفَهْمِ الصَّحَابَة خِلَافه وَلِاضْطِرَاد هَذَا اللَّفْظ دُون مَجِيئُهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ وَلِشِدَّةِ مُخَالَفَته لِلْوَضْعِ وَلِذِكْرِ الْمَحْجُوم فَإِنَّهُ وَإِنْ تَعَرَّضَ الْمَحْجُوم لِلْفِطْرِ بِالضَّعْفِ فَأَيّ ضَعْف لَحِقَ الْحَاجِم وَكَوْن الْحَاجِم مُتَعَرِّضًا لِابْتِلَاعِ الدَّم وَالْمَحْجُوم مُتَعَرِّضًا لِلضَّعْفِ هَذَا التَّعْلِيل لَا يُبْطِل الْفِطْر بِالْحِجَامَةِ بَلْ هو مقرر للفطر بِهَا وَإِلَّا فَلَا يَجُوز اِسْتِنْبَاط وَصْف مِنْ النَّصّ يَعُود عَلَيْهِ بِالْإِبْطَالِ بَلْ هَذَا الْوَصْف إِنْ كَانَ لَهُ تَأْثِير فِي الْفِطْر وَإِلَّا فَالتَّعْلِيل بِهِ بَاطِل
قَالُوا وَأَمَّا الْجَوَاب الْخَامِس أن النبي مَرَّ بِهِمَا مَسَاء
فَقَالَ ذَلِكَ فَمِمَّا لَا يَجُوز أَنْ يُحْمَل الْحَدِيث عَلَيْهِ وَأَيّ تَأْثِير لِلْحِجَامَةِ بَلْ كُلّ النَّاس قَدْ أَفْطَرُوا أَيْضًا فَهَذَا كَذِبٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيث مَا يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ أَصْلًا فَقَائِله مُخْبِر بِالْكَذِبِ
وَأَيْضًا فَأَيّ حَاجَة إِلَى قَوْل أَنْسَ ثُمَّ رَخَّصَ بَعْدُ فِي الْحِجَامَة وَأَيْضًا فَأَيّ حَاجَة بِالصَّحَابَةِ أَنْ يُؤَخِّرُوا اِحْتِجَامهمْ إِلَى اللَّيْل وَكَيْف يُفْتُونَ الْأُمَّة بِفِطْرِهِمْ بِأَمْرٍ قَدْ فُعِلَ مَسَاء لَا تَأْثِير لَهُ فِي الْفِطْر وَالْحَمْد لِلَّهِ عَلَى الْمُعَافَاة مِنْ رَدِّ الْأَحَادِيث بِمِثْلِ هَذَا الْخَيَالَات وَأَمَّا جَوَابكُمْ السَّادِس أَنَّ هَذَا تَغْلِيظ وَدُعَاء عَلَيْهِمَا لَا أَنَّهُ حُكْم شَرْعِيٌّ فَالْمُجِيب بِهِ كَالْمُسْتَجِيرِ مِنْ الرَّمْضَاء بِالنَّارِ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَفْعَلَا مُحَرَّمًا عِنْدكُمْ وَلَا مُفْطِرًا بَلْ فَعَلَا مَا أَبَاحَهُ لَهُمَا الشَّارِع عِنْدكُمْ فَكَيْف يُغَلِّظ عَلَيْهِمَا وَيَدْعُو عَلَيْهِمَا وَمَتَى عُهِدَ فِي عُرْف الشَّارِع الدُّعَاء عَلَى الْمُكَلَّف بِالْفِطْرِ وَفَسَاد الْعِبَادَة وَسَائِر الْوُجُوه الْمُتَقَدِّمَة تُبْطِل هَذَا أَيْضًا
وَأَمَّا جَوَابكُمْ السَّابِع بِأَنَّ الْمُرَاد إِبْطَال أَجْر صَوْمهمَا فَكَذَلِكَ أَيْضًا فَإِنَّكُمْ لَا تُبْطِلُونَ أَجْرهمَا بِذَلِكَ وَلَا تُحَرِّمُونَ الْحِجَامَة ثُمَّ لَوْ كَانَ الْمُرَاد إِبْطَال الْأَجْر لَكَانَ ذَلِكَ مُقَرِّرًا لِفَسَادِ الصَّوْم لَا لِصِحَّتِهِ فَإِنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ أَمْر يَتَضَمَّن بُطْلَان أَجْرهمَا لُزُومًا وَاسْتِنْبَاطًا وَبُطْلَان صَوْمهمَا صَرِيحًا وَنَصًّا فَكَيْف يُعَطَّل مَا دَلَّ عَلَيْهِ صريحه ويعتبر ما استنبطه منه مع أنه لَا مُنَافَاة بَيْنه وَبَيْن الصَّرِيح بَلْ الْمَعْنَيَانِ حَقّ قَدْ بَطَل صَوْمهمَا وَأَجْرهمَا إِذَا كَانَتْ الْحِجَامَة لِغَيْرِ مَرَضٍ
وَأَمَّا جَوَابكُمْ الثَّامِن أَنَّ الْأَحَادِيث لَوْ قُدِّرَ تَعَارُضهَا لَكَانَ الْأَخْذ بِأَحَادِيث الرُّخْصَة أَوْلَى لِمُوَافَقَتِهَا الْقِيَاس فَجَوَابه أَوَّلًا أَنَّ الْأَحَادِيث بِحَمْدِ اللَّه لَيْسَتْ مُتَعَارِضَة وَقَدْ بَيَّنَا أَنَّهُ لَا مُعَارِض لِأَحَادِيث الْمَنْع
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute