جماعة من الأئمة مالك بن أنس وبن شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فَلَا تَغْتَرَّ بِتَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ وَتَصْحِيحِ الْحَاكِمِ وَإِنْ ثَبَتَ تَحْسِينُهُ فَلَا يُعَارِضُ حَدِيثُ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الَّذِي اتَّفَقَ عليه الشيخان
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
دَلِيل عَلَى الْمَنْع مِنْ صَوْمه فِي غَيْر الْفَرْد مُفْرَدًا أَوْ مُضَافًا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاء دَلِيل التَّنَاوُل وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ يَتَنَاوَل كُلّ صُوَر صَوْمه إِلَّا صُورَة الْفَرْض وَلَوْ كَانَ إِنَّمَا يَتَنَاوَل صُورَة الْإِفْرَاد لَقَالَ لَا تَصُومُوا يَوْم السَّبْت إِلَّا أَنْ تَصُومُوا يَوْمًا قَبْله أَوْ يَوْمًا بَعْده كَمَا قَالَ فِي الْجُمْعَة
فَلَمَّا خَصَّ الصُّورَة الْمَأْذُون فِي صَوْمهَا بِالْفَرْضِيَّةِ عُلِمَ تَنَاوُل النَّهْيِ لِمَا قَابَلَهَا
وَقَدْ ثَبَتَ صَوْم يَوْم السَّبْت مَعَ غَيْره بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيث وَغَيْرهَا كَقَوْلِهِ فِي يَوْم الْجُمْعَة إِلَّا أَنْ تَصُومُوا يَوْمًا قَبْله أَوْ يَوْمًا بَعْده فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيث غَيْر مَحْفُوظ وَأَنَّهُ شَاذٌّ
وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ مَالِك هَذَا كَذِب
وَذَكَر بِإِسْنَادِهِ عَنْ الزُّهْرِيّ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذُكِرَ لَهُ النَّهْي عَنْ صِيَام يَوْم السَّبْت يَقُول هَذَا حَدِيث حِمْصِيّ
وَعَنْ الْأَوْزَاعِيّ قَالَ مَا زِلْت كَاتِمًا له حتى رأيته انتشر يعني حديث بن بُسْر هَذَا
وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْهُمْ أَبُو دَاوُدَ هَذَا حَدِيث مَنْسُوخ
وَقَالَتْ طَائِفَة وَهُمْ أَكْثَر أَصْحَاب أَحْمَد مُحْكَم وَأَخَذُوا بِهِ فِي كَرَاهِيَة إِفْرَاده بِالصَّوْمِ وَأَخَذُوا بِسَائِرِ الْأَحَادِيث فِي صَوْمه مَعَ مَا يَلِيه
قَالُوا وَجَوَاب أَحْمَد يَدُلّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيل فَإِنَّهُ سُئِلَ فِي رِوَايَة الْأَثْرَم عَنْهُ فَأَجَابَ بِالْحَدِيثِ
وَقَاعِدَة مَذْهَبه أَنَّهُ إِذَا سُئِلَ عَنْ حُكْمٍ فَأَجَابَ فِيهِ بِنَصٍّ يَدُلّ عَلَى أَنَّ جَوَابه بِالنَّصِّ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ قَائِل بِهِ لِأَنَّهُ ذَكَره فِي مَعْرِض الْجَوَاب فَهُوَ مُتَضَمِّن لِلْجَوَابِ وَالِاسْتِدْلَال مَعًا
قَالُوا وَأَمَّا مَا ذَكَره عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد
فَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِمَا وَقَعَ مِنْ الشُّبْهَة فِي الْحَدِيث
قَالُوا وَإِسْنَاده صَحِيح
وَرُوَاته غَيْر مَجْرُوحِينَ وَلَا مُتَّهَمِينَ وَذَلِكَ يُوجِب الْعَمَل بِهِ وَسَائِر الْأَحَادِيث لَيْسَ فِيهَا مَا يُعَارِضهُ لِأَنَّهَا تَدُلّ عَلَى صَوْمه مُضَافًا فَيُحْمَل النَّهْيُ عَلَى صَوْمه مُفْرَدًا كَمَا ثَبَتَ فِي يَوْم الْجُمْعَة
وَنَظِير هَذَا الْحُكْم أَيْضًا
كَرَاهِيَة إِفْرَاد رَجَب بِالصَّوْمِ وَعَدَم كَرَاهِيَته مَوْصُولًا بِمَا قَبْله أَوْ بَعْده
وَنَظِيره أَيْضًا مَا حَمَلَ الْإِمَام أَحْمَد عَلَيْهِ حَدِيث الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي النَّهْي عَنْ الصَّوْم بَعْد اِنْتِصَاف شَعْبَان أَنَّهُ النَّهْي عَنْ اِبْتِدَاء الصَّوْم فِيهِ وَأَمَّا صَوْمه مَعَ مَا قَبْله مِنْ نِصْفه الْأَوَّل فَلَا يُكْرَه
قَالُوا وَقَدْ جَاءَ هَذَا مُصَرَّحًا بِهِ فِي صَوْم يَوْم السَّبْت فَفِي مُسْنَد الْإِمَام أَحْمَد مِنْ حديث بن