للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جماعة من الأئمة مالك بن أنس وبن شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فَلَا تَغْتَرَّ بِتَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ وَتَصْحِيحِ الْحَاكِمِ وَإِنْ ثَبَتَ تَحْسِينُهُ فَلَا يُعَارِضُ حَدِيثُ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الَّذِي اتَّفَقَ عليه الشيخان

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

لَهِيعَة حَدَّثَنَا مُوسَى بْن وَرْدَان عَنْ عُبَيْد الْأَعْرَج حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي يَعْنِي الصَّمَّاء أَنَّهَا دَخَلَتْ علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يَوْم السَّبْت وَهُوَ يَتَغَدَّى

فَقَالَ تَعَالَيْ تَغَدِّي

فَقَالَتْ إِنِّي صَائِمَة

فَقَالَ لَهَا أَصُمْت أَمْس قَالَتْ لَا قَالَ كُلِي فَإِنَّ صِيَام يَوْم السَّبْت لَا لَك وَلَا عَلَيْك وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَاده مَنْ لَا يُحْتَجّ بِهِ إِذَا اِنْفَرَدَ لَكِنْ يَدُلّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيث

وَعَلَى هَذَا فَيَكُون مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَصُومُوا يَوْم السَّبْت أَيْ لَا تَقْصِدُوا صَوْمه بِعَيْنِهِ إِلَّا فِي الْفَرْض فَإِنَّ الرَّجُل يَقْصِد صَوْمه بِعَيْنِهِ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَجِب عَلَيْهِ إِلَّا صَوْم يَوْم السَّبْت كَمَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ الشَّهْر إِلَّا يَوْم السَّبْت فَإِنَّهُ يَصُومهُ وَحْده

وَأَيْضًا فَقَصْده بِعَيْنِهِ فِي الْفَرْض لَا يُكْرَه بِخِلَافِ قَصْده بِعَيْنِهِ فِي النَّفْل فَإِنَّهُ يُكْرَه

وَلَا تَزُول الْكَرَاهَة إِلَّا بِضَمِّ غَيْره إِلَيْهِ أَوْ مُوَافَقَته عَادَة

فَالْمُزِيل لِلْكَرَاهَةِ فِي الْفَرْض مُجَرَّد كَوْنه فَرْضًا لَا الْمُقَارَنَة بَيْنه وَبَيْن غَيْره

وَأَمَّا فِي النَّفْل فَالْمُزِيل لِلْكَرَاهَةِ ضَمُّ غَيْره إِلَيْهِ أَوْ مُوَافَقَته عَادَة وَنَحْو ذَلِكَ

قَالُوا وَأَمَّا قَوْلكُمْ إِنَّ الِاسْتِثْنَاء دَلِيل التَّنَاوُل إِلَى آخِره فَلَا رَيْب أَنَّ الِاسْتِثْنَاء أَخْرَجَ صُورَة الْفَرْض مِنْ عُمُوم النَّهْيِ

فَصُورَة الِاقْتِرَان بِمَا قَبْله أَوْ بِمَا بَعْده أُخْرِجَتْ بِالدَّلِيلِ الَّذِي تَقَدَّمَ فَكِلَا الصُّورَتَيْنِ مُخْرَج

أَمَّا الْفَرْض فَبِالْمُخْرَجِ الْمُتَّصِل

وَأَمَّا صَوْمه مُضَافًا فَبِالْمُخْرَجِ الْمُنْفَصِل فَبَقِيَتْ صُورَة الْإِفْرَاد وَاللَّفْظ مُتَنَاوِل لَهَا وَلَا مُخْرِج لَهَا مِنْ عُمُومه فَيَتَعَيَّن حَمْله عَلَيْهَا

ثم اختلف هؤلاء في تعليل الكراهة فعللها بن عقيل بأنه يوم يمسك فيه اليهود ويخصونه بالإمساك وهو ترك العمل فيه والصائم في مظنة ترك العمل فيصير صومه تشبها بهم وهذه العلة منتفية في الأحد

ولا يقال فهذه العلة موجودة إذا صامه مع غيره ومع هذا فإنه لا يكره لأنه إذا صامه مع غيره لم يكن قاصدا تخصيصه المقتضي للتشبه وشاهده استحباب صوم يوم قبل عاشوراء وبعده إليه لتنتفي صورة الموافقة

وعللة طائفة أخرى بأنه يوم عيد لأهل الكتاب يعظمونه فقصده بالصوم دون غيره يكون تعظيما له فكره ذلك كما كره إفراد يوم عاشوراء بالتعظيم لما عظمه أهل الكتاب وإفراد رجب أيضا لما عظمه المشركون

وهذا التعليل قد تعارض بيوم الأحد فإنه يوم عيد غير للنصارى كَمَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اليوم لنا وغدا لليهود وبعد للنصارى ومع ذلك فلا يكره صومه

وأيضا فإذا كان يوم عيد فقد يقال مخالفتهم فيه يكون بالصوم لا بالفطر فالصوم فيه تحقيق للمخالفة ويدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد والنسائي وغيرهما من حديث كريب مولى بن عباس قال أرسلني بن عباس وناس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أم سلمة أسألها أي الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها صياما فقالت كان يصوم السبت ويوم الأحد أكثر ما يصوم من الأيام ويقول إنهما يوما عيد

<<  <  ج: ص:  >  >>