للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَيَقُولُ إِنِّي لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ إِنِّي أَبَيْتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي

أَوْ يُقَالُ إِنَّمَا قَالَهُ لِحُقُوقِ نِسَائِهِ وَغَيْرِهِنَّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُتَعَلِّقِينَ بِهِ وَالْقَاصِدِينَ إِلَيْهِ

(وَصِيَامُ عَرَفَةَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ إِلَخْ) مَعْنَاهُ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ صَائِمِهِ فِي السَّنَتَيْنِ قَالُوا وَالْمُرَادُ بِهِ الصَّغَائِرُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَغَائِرُ يُرْجَى التَّخْفِيفُ مِنَ الْكَبَائِرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَفَعَتْ دَرَجَاتٌ

وَحَاصِلُ الْحَدِيثِ بَيَانُ رِفْقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمَّتِهِ وَشَفَقَتِهِ عَلَيْهِمْ وَإِرْشَادِهِمْ إِلَى مَصَالِحِهِمْ وَحَثِّهِمْ عَلَى مَا يُطِيقُونَ الدَّوَامَ عَلَيْهِ وَنَهْيِهِمْ عَنِ التَّعَمُّقِ وَالْإِكْثَارِ مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يَخَافُ عَلَيْهِمُ الْمَلَلُ بِسَبَبِهَا أَوْ تَرْكُهَا أَوْ تَرْكُ بَعْضِهَا وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى قَوْمًا أَكْثَرُوا الْعِبَادَةَ ثُمَّ فَرَّطُوا فِيهَا فَقَالَ تَعَالَى وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رضوان الله فما رعوها حق رعايتها وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى مَنْعِ صِيَامِ الدَّهْرِ لِظَوَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ

قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى جَوَازِهِ إِذَا لَمْ يَصُمُ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا وَهِيَ الْعِيدَانِ وَالتَّشْرِيقُ

وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ سَرْدَ الصِّيَامِ إِذَا أَفْطَرَ الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَلْحَقَهُ بِهِ ضَرَرٌ وَلَا يُفَوِّتُ حَقًّا فَإِنْ تَضَرَّرَ أَوْ فَوَّتَ حَقًّا فَمَكْرُوهٌ

قَالَ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

الرَّابِع أَنَّ هَذَا مُوَافِق لِقَوْلِهِ فِيمَنْ صَامَ الْأَبَد لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ وَمَعْلُوم أَنَّ السَّائِل لَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ الصَّوْم الْمُحَرَّم الَّذِي قَدْ اِسْتَقَرَّ تَحْرِيمه عِنْدهمْ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لِيُجِيبَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ بَلْ كَانَ يُجِيب عَنْهُ بِصَرِيحِ النَّهْيِ

وَالسِّيَاق يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ الصَّوْم الْمَأْذُون فِيهِ لَا الْمَمْنُوع مِنْهُ وَلَا يُعَبِّر عَنْ صِيَام الْأَيَّام الْخَمْسَة وَعَنْ الْمَنْع مِنْهَا بِقَوْلِهِ لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَد وَلَا هَذِهِ الْعِبَارَة مُطَابِقَة لِلْمَقْصُودِ بَلْ هِيَ بَعِيدَةٌ مِنْهُ جِدًّا

الْخَامِس أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّ أَحَبَّ الصِّيَام إِلَى اللَّه صِيَام دَاوُدَ وَأَحَبَّ الْقِيَام إِلَى اللَّه قِيَام دَاوُدَ وَأَخْبَرَ بِهِمَا مَعًا

ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ كَانَ يَنَام نِصْف اللَّيْل وَيَقُوم ثُلُثه وَيَنَام سُدُسه وَكَانَ يَصُوم يَوْمًا وَيُفْطِر يَوْمًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

وَهَذَا صَرِيح فِي أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ أَحَبّ إِلَى اللَّه لِأَجْلِ هَذَا الْوَصْف وَهُوَ مَا يَتَخَلَّل الصِّيَام وَالْقِيَام مِنْ الرَّاحَة الَّتِي تَجِمّ بِهَا نَفْسه وَيَسْتَعِين بِهَا عَلَى الْقِيَام بِالْحُقُوقِ

وَبِاَللَّهِ التوفيق

<<  <  ج: ص:  >  >>