. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَأَمَّا مَا ذَكَره بَعْضهمْ مِنْ أَنَّ السِّتَّة عَدَدٌ تَامٌّ فَإِنَّهَا إِذَا جُمِعَتْ أَجْزَاؤُهَا قَامَ مِنْهَا عَدَد السَّنَة
فَإِنَّ أَجْزَاءَهَا النِّصْف وَالثُّلُث وَالسُّدُس وَيُكْمِل بِهَا بِخِلَافِ الْأَرْبَعَة وَالِاثْنَيْ عَشْر وَغَيْرهمَا فَهَذَا لَا يَحْسُن وَلَا يَلِيق أَنْ يُذْكَر فِي أَحْكَام اللَّه وَرَسُوله
وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَان الدِّين عَنْ التَّعْلِيل بِأَمْثَالِهِ
وَأَمَّا السُّؤَال الرَّابِع وَهُوَ تَشْبِيه هَذَا الصِّيَام بِصِيَامِ الدَّهْر مَعَ كَوْنه بِقَدْرِهِ عَشْر مَرَّات فَقَدْ أَشْكَلَ هَذَا عَلَى كَثِير مِنْ النَّاس
وَقِيلَ فِي جوابه أن من صام رمضان وَسِتَّة مِنْ شَوَّال مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة فَهُوَ كمن صام السنة من الأمم المتقدمة
قالوا لِأَنَّ تَضْعِيف الْحَسَنَات إِلَى عَشْر أَمْثَالهَا مِنْ خَصَائِص هَذِهِ الْأُمَّة
وَأَحْسَن مِنْ هَذَا أَنْ يُقَال الْعَمَل لَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجَزَاء اِعْتِبَارَانِ اِعْتِبَار الْمُقَابَلَة وَالْمُسَاوَاة وَهُوَ الْوَاحِد بِمِثْلِهِ وَاعْتِبَار الزِّيَادَة وَالْفَضْل وَهُوَ الْمُضَاعَفَة إِلَى الْعَشْر فَالتَّشْبِيه وَقَعَ بَيْن الْعَمَل الْمُضَاعَف ثَوَابه وَبَيْن الْعَمَل الَّذِي يُسْتَحَقّ بِهِ مِثْله وَنَظِير هَذَا قَوْله مَنْ صَلَّى عِشَاء الْآخِرَة فِي جَمَاعَة فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْف لَيْلَة وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاء وَالْفَجْر فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ لَيْلَة
أَمَّا السُّؤَال الْخَامِس وَهُوَ الْفَرْق بَيْن أَنْ يَقُول فَكَأَنَّمَا قَدْ صَامَ الدَّهْر وَبَيْن قَوْله فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْر هُوَ أَنَّ الْمَقْصُود تَشْبِيه الصِّيَام بِالصِّيَامِ
وَلَوْ قَالَ فَكَأَنَّهُ قَدْ صَامَ الدَّهْر لَكَانَ بَعِيدًا عَنْ الْمَقْصُود فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُون تَشْبِيهًا لِلصَّائِمِ بِالصَّائِمِ
فَمَحَلّ التَّشْبِيه هُوَ الصَّوْم لَا الصَّائِم وَيَجِيء الْفَاعِل لُزُومًا وَلَوْ شَبَّهَ الصَّائِم لَكَانَ هُوَ مَحَلّ التَّشْبِيه وَيَكُون مَجِيء الصَّوْم لُزُومًا وَإِنَّمَا كَانَ قَصْد تَشْبِيه الصَّوْم أَبْلَغ وَأَحْسَن لِتَضَمُّنِهِ تَنْبِيه السَّامِع عَلَى قَدْر الْفِعْل وَعِظَمِهِ وَكَثْرَةِ ثَوَابِهِ فَتَتَوَفَّرُ رَغْبَته فِيهِ
وَأَمَّا السُّؤَال السَّادِس وَهُوَ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى اِسْتِحْبَاب صِيَام الدَّهْر فَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِهِ طَائِفَة مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ
قَالُوا وَلَوْ كَانَ صَوْم الدَّهْر مَكْرُوهًا لَمَا وَقَعَ التَّشْبِيه بِهِ بَلْ هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَل الصِّيَام وَهَذَا الِاسْتِدْلَال فَاسِد جِدًّا مِنْ وُجُوه
أَحَدهَا أَنَّ فِي الْحَدِيث نَفْسه أَنَّ وَجْه التَّشْبِيه هُوَ أَنَّ الْحَسَنَة بِعَشْرِ أَمْثَالهَا فَسِتَّة وَثَلَاثُونَ يَوْمًا بِسَنَةٍ كَامِلَةٍ وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّ صَوْم السَّنَة الْكَامِلَة حَرَام بِلَا رَيْب وَالتَّشْبِيه لَا يَتِمّ إِلَّا بِدُخُولِ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّام التَّشْرِيق فِي السَّنَة وَصَوْمهَا حَرَام فَعُلِمَ أَنَّ التَّشْبِيه الْمَذْكُور لَا يَدُلّ عَلَى جَوَاز وُقُوع الْمُشَبَّه بِهِ فَضْلًا عَنْ اِسْتِحْبَابه فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُون أَفْضَل مِنْ غيره
ونظير هذا قول النبي لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَاد فَقَالَ لَا تَسْتَطِيعهُ
هَلْ تَسْتَطِيع إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِد أَنْ تَقُوم فَلَا تَفْتُر وَتَصُوم فَلَا تُفْطِر قَالَ لَا
قَالَ فَذَلِكَ مِثْل الْمُجَاهِد وَمَعْلُوم أَنَّ هَذَا الْمُشَبَّه بِهِ غَيْر مَقْدُور وَلَا مشروع