٦٦
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الْحُجَّة الثَّانِيَة مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ سَلَمَة بْن الْأَكْوَع قَالَ بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ يَوْم عَاشُورَاء فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّن فِي النَّاس مَنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ فَلْيَصُمْ قَالُوا فَهَذَا أَمْرٌ بِإِنْشَاءِ الصِّيَام أَثْنَاء النَّهَار
وَهَذَا لَا يَجُوز إِلَّا فِي التَّطَوُّع
وَأَمَّا الصِّيَام الْوَاجِب فَلَا يَصِحّ إِلَّا بِنِيَّةٍ قَبْل الْفَجْر
الْحُجَّة الثَّالِثَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُر الْمُفْطِرِينَ فِيهِ إِذْ ذَاكَ بِالْقَضَاءِ
وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِحُجَجٍ
إِحْدَاهَا مَا خَرَّجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ كَانَتْ قُرَيْش تَصُوم عَاشُورَاء فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومهُ
فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَة صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ
فَلَمَّا فُرِضَ شَهْر رَمَضَان قَالَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تركه وفي صحيح البخاري عن بن عُمَر قَالَ صَامَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشُورَاء وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَان تَرَكَهُ
قَالُوا وَمَعْلُوم أَنَّ الَّذِي تَرَك هُوَ وُجُوب صَوْمه لَا اِسْتِحْبَابه فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْغَب فِيهِ وَيُخْبِر أن صيامه كفارة سنة
وقد أخبر بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومهُ إِلَى حِين وَفَاته وَأَنَّهُ عَزَمَ قَبْل وَفَاته بِعَامٍ عَلَى صِيَام التَّاسِع فَلَوْ كَانَ الْمَتْرُوك مَشْرُوعِيَّته لَمْ يَكُنْ لِقَصْدِ الْمُخَالَفَة بِضَمِّ التَّاسِع إِلَيْهِ مَعْنَى فَعُلِمَ أَنَّ الْمَتْرُوك هُوَ وُجُوبه
الْحُجَّة الثَّانِيَة أَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر مَنْ كَانَ أَكَلَ بِأَنْ يُمْسِك بَقِيَّة يَوْمه وَهَذَا صَرِيح فِي الْوُجُوب فَإِنَّ صَوْم التَّطَوُّع لَا يُتَصَوَّر فِيهِ إِمْسَاك بَعْد الْفِطْر
الْحُجَّة الثَّالِثَة مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ عَائِشَة قَالَتْ كَانَ يَوْم عَاشُورَاء تَصُومهُ قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة فَذَكَرَتْ الْحَدِيث إِلَى أَنْ قَالَتْ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَان كَانَ هُوَ الْفَرِيضَة الْحَدِيث
وَهَذَا اللَّفْظ مِنْ سِيَاق الْبَيْهَقِيّ
فَقَوْلهَا كَانَ هُوَ الْفَرِيضَة دَلَّ عَلَى أَنَّ عَاشُورَاء كَانَ وَاجِبًا وَأَنَّ رَمَضَان صَارَ هُوَ الْفَرْض لَا عَاشُورَاء وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهَا كَانَ هُوَ الْفَرِيضَة مَعْنَى
قَالَ الْمُوجِبُونَ وَأَمَّا حَدِيث مُعَاوِيَة فَمَعْنَاهُ لَيْسَ مَكْتُوبًا عَلَيْكُمْ الْآن أَوْ لَمْ يَكْتُبهُ بَعْد نُزُول رَمَضَان أَوْ إِنَّمَا نَفَى الْكَتْب وَهُوَ الْفَرْض الْمُؤَكَّد الثَّابِت بِالْقُرْآنِ وَوُجُوب عَاشُورَاء إِنَّمَا كَانَ بِالسُّنَّةِ وَلَا يَلْزَم مِنْ نَفْي كَتْبِهِ وَفَرْضه نَفْي كَوْنه وَاجِبًا
فَإِنَّ الْمَكْتُوب أَخَصُّ مِنْ مُطْلَق الْوَاجِب
وَهَذَا جَارٍ عَلَى أَصْل مَنْ يُفَرِّق بَيْن الْفَرْض وَالْوَاجِب
وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَال فَرْض إِلَّا لِمَا ثَبَتَ بِالْقُرْآنِ وَأَمَّا مَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ فَإِنَّهُ يُسَمِّيه وَاجِبًا
قَالُوا وَأَمَّا تَصْحِيحه بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَار
فَالْجَوَاب عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدهمَا أَنَّ هَذَا حُجَّة لِمَنْ يَقُول بِجَوَازِ صَوْم الْفَرْض بِنِيَّةٍ من النهار