٦٦
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَالُوا وَهُوَ عُمْدَتُنَا فِي الْمَسْأَلَة
فَلَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَنْفُوا وُجُوبه بِنَاءَا عَلَى بُطْلَان هَذَا القول فإنه دور ممتنع ومصادر بَاطِلَة
وَهَذَا جَوَاب أَصْحَاب أَبِي حَنِيفَة
قَالَ مُنَازِعُوهُمْ إِذَا قُلْتُمْ إِنَّهُ كَانَ وَاجِبًا ثَبَتَ نَسْخه اِتِّفَاقًا وَأَنْتُمْ إِنَّمَا جَوَّزْتُمْ الصَّوْم الْمَفْرُوض بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَار بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاط مِنْهُ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُتَعَلِّقَاته وَلَوَازِمه وَالْحُكْم إِذَا نُسِخَ نُسِخَتْ لَوَازِمُهُ وَمُتَعَلِّقَاته وَمَفْهُومه وَمَا ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا فَرْع الثُّبُوت عَلَى الْأَصْل فَإِذَا اِرْتَفَعَ الْأَصْل اِمْتَنَعَ بَقَاء الْفَرْع بَعْده
قَالَ الْحَنَفِيَّة الْحَدِيث دَلَّ عَلَى شَيْئَيْنِ
أَحَدهمَا إِجْزَاء الصَّوْم الْوَاجِب بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَار
وَالثَّانِي تَعْيِينُ الصَّوْم الْوَاجِب بِأَنَّهُ يَوْم عَاشُورَاء فَنُسِخَ تَعْيِين الْوَاجِب بِرَمَضَان وَبَقِيَ الْحُكْم الْآخَر لَا مُعَارِض لَهُ فَلَا يَصِحّ دَعْوَى نَسْخه إِذْ النَّاسِخ إِنَّمَا هُوَ تَعْيِين الصَّوْم وَإِبْدَاله بِغَيْرِهِ لَا إِجْزَاؤُهُ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَار
الْجَوَاب الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ الصَّوْم إِنَّمَا صَحَّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَار لِأَنَّ الْوُجُوب إِنَّمَا ثَبَتَ فِي حَقّ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ النَّهَار
حِين أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنَادِي أَنْ يُنَادِيَ بِالْأَمْرِ بِصَوْمِهِ فَحِينَئِذٍ تَحَدَّدَ الْوُجُوب فَقَارَنَتْ النِّيَّة وَقْت وُجُوبه وَقِيلَ هَذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَلَمْ تَكُنْ نِيَّة التَّبْيِيت وَاجِبَة
قَالُوا وَهَذَا نَظِير الْكَافِر يُسْلِم فِي أَثْنَاء النَّهَار أَوْ الصَّبِيّ يَبْلُغ فَإِنَّهُ يُمْسِك مِنْ حِين يَثْبُت الْوُجُوب فِي ذِمَّته وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ مَالِك وأبو ثور وبن الْمُنْذِر وَأَحْمَد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَنَظِيره أَيْضًا إِذَا أَثْبَتِنَا الصَّوْم تَطَوُّعًا بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَار ثُمَّ نَذَرَ إِتْمَامه فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ بِنِيَّتِهِ عِنْد مُقَارَنَة الْوُجُوب
قَالُوا وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا مَا إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَة بِرُؤْيَةِ هِلَال رَمَضَان فِي أَثْنَاء النَّهَار حَيْثُ يَلْزَم الْقَضَاء لِمَنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ بَيَّتَ الصَّوْم
لِأَنَّ الْوُجُوب هُنَا كَانَ ثَابِتًا وَإِنَّمَا خَفِيَ عَلَى بَعْض النَّاس وَتَسَاوِي الْمُكَلَّفِينَ فِي الْعِلْم بِالْوُجُوبِ لَا يُشْتَرَط بِخِلَافِ اِبْتِدَاء الْأَمْر بِصِيَامِ عَاشُورَاء فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ اِبْتِدَاء وُجُوبه
فَالْفَرْق إِنَّمَا هُوَ بَيْن اِبْتِدَاء الْوُجُوب وَالشُّرُوع فِي الْإِمْسَاك عَقِبه وَبَيْن خَفَاء مَا تَقَدَّمَ وُجُوبه ثُمَّ تَجَدَّدَ سَبَبُ الْعِلْمِ بِوُجُوبِهِ فَإِنْ صَحَّ هَذَا الْفَرْق وَإِلَّا فَالصَّوَاب التَّسْوِيَة بَيْن الصُّورَتَيْنِ وَعَدَم وُجُوب الْقَضَاء
وَاَللَّه أَعْلَم
وَذَكَر الشَّافِعِيُّ هَذِهِ الْأَحَادِيث فِي كِتَاب مُخْتَلَف الْحَدِيث ثُمَّ قَالَ وَلَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيث شَيْءٌ مُخْتَلِف عِنْدنَا
وَاَللَّه أَعْلَم إِلَّا شَيْئًا ذَكَر فِي حَدِيث عَائِشَة وَهُوَ مِمَّا وَصَفْت مِنْ الْأَحَادِيث الَّتِي يَأْتِي بِهَا المحدث ببعض دون بعض فحديث بن أَبِي ذِئْب عَنْ عَائِشَة كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُوم عَاشُورَاء وَيَأْمُرُنَا بِصِيَامِهِ لَوْ اِنْفَرَدَ كَانَ ظَاهِره أَنَّ عَاشُورَاء كَانَ فَرْضًا فَذَكَر هِشَام عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صَامَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة
وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَان كَانَ الْفَرِيضَة وَتَرَك عَاشُورَاء قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَحْتَمِل قَوْل عَائِشَة تُرِك عَاشُورَاء مَعْنًى يَصِحّ إِلَّا تَرْك إِيجَاب صَوْمه إِذَا عِلْمنَا أن كتاب