كَانَ كَذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا الصَّنِيعَ
وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ إِلَى أَنَّ هَذَا شَيْءٌ قَدْ مَلَّكَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ فَهُوَ مُبَاحٌ لَهُ لَا يَلْزَمُ لَهُ قِيمَةٌ
وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ قِيمَتَهُ لَازِمَةٌ لَهُ يُؤَدِّيهَا إِلَيْهِ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبَةِ نَفْسٍ مِنْهُ انْتَهَى
قَالَ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الثَّالِثَة مَا خَرَّجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث أبي بكرة
أن النبي قَالَ فِي خُطْبَته فِي حَجَّة الْوَدَاع إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَام كَحُرْمَةِ يَوْمكُمْ هَذَا فِي بَلَدكُمْ هَذَا فِي شَهْركُمْ هَذَا وَمِثْله فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ جَابِر
الرَّابِعَة مَا فِي الصَّحِيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ النبي قَالَ كُلّ الْمُسْلِم عَلَى الْمُسْلِم حَرَام
دَمه وَمَاله وَعِرْضه
الْخَامِسَة مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صحيح من حديث بن عباس أن النبي خَطَبَ فِي حَجَّة الْوَدَاع فَذَكَرَ الْحَدِيث
وَفِيهِ ولا يحل لامرىء مِنْ مَال أَخِيهِ إِلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيب نَفْس
السَّادِسَة مَا رَوَاهُ مُسْلِم فِي صحيحه عن بن عمر عن النبي أَنَّهُ قَامَ فَقَالَ لَا يَحْلُبَنَّ أَحَدكُمْ مَاشِيَة أَخِيهِ بِغَيْرِ إِذْنه أَيُحِبُّ أَحَدكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَته فَيُكْسَر بَاب خِزَانَته الْحَدِيث
السَّابِعَة أَنَّ هَذَا مَال مِنْ أَمْوَال الْمُسْلِم فَكَانَ مُحْتَرَمًا كَسَائِرِ أَمْوَاله
قَالَ الْأَوَّلُونَ لَيْسَ فِي شَيْء مِمَّا ذَكَرْتُمْ مَا يُعَارِض أَحَادِيث الْجَوَاز إِلَّا حديث بن عُمَر فَإِنَّهُ فِي الظَّاهِر مُخَالِف لِحَدِيثِ سَمُرَة
وَسَيَأْتِي بَيَان الْجَمْع بَيْنهمَا إِنْ شَاءَ اللَّه
أَمَّا قَوْله تَعَالَى {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَيْنكُمْ بِالْبَاطِلِ} فَلَا يَتَنَاوَل مَحَلّ النِّزَاع
فَإِنَّ هَذَا أَكْل بِإِبَاحَةِ الشَّارِع فَكَيْف يَكُون بَاطِلًا
وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَاب تَخْصِيص الْعَامّ فِي شَيْء بَلْ هَذِهِ الصُّورَة لَمْ تَدْخُل فِي الْآيَة كَمَا لَمْ يَدْخُل فِيهَا أَكْل الْوَالِد مَال وَلَده
وَأَيْضًا فَلِأَنَّهُ إِنَّمَا يَدُلّ عَلَى تَحْرِيم الْأَكْل بِالْبَاطِلِ الَّذِي لَمْ يَأْذَن فِيهِ الشَّارِع وَلَا الْمَالِك فَإِذَا وُجِدَ الْإِذْن الشَّرْعِيّ أَوْ الْإِذْن مِنْ الْمَالِك لَمْ يَكُنْ بَاطِلًا
وَمَعْلُوم أَنَّ إِذْن الشَّرْع أَقْوَى مِنْ إِذْن الْمَالِك
فَمَا أَذِنَ فِيهِ الشَّرْع أَحَلّ مِمَّا أَذِنَ فِيهِ الْمَالِك وَلِهَذَا كَانَتْ الْغَنَائِم مِنْ أَحَلّ الْمَكَاسِب وَأَطْيَبهَا وَمَال الْوَلَد بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَب مِنْ أَطْيَب الْمَكَاسِب وَإِنْ لَمْ يَأْذَن لَهُ الْوَلَد
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مِنْ الْمُسْتَحِيل أَنْ يَأْذَن النبي فِيمَا حَرَّمَهُ اللَّه وَمَنَعَ مِنْهُ
فَعُلِمَ أَنَّ الْآيَة لَا تَتَنَاوَل مَحَلّ النِّزَاع أَصْلًا
وَبِهَذَا خَرَجَ الْجَوَاب عَنْ الدَّلِيل الثَّانِي وَهُوَ كَوْنه مِثْل كَوْنه مِثْل مَال الْيَتِيم مَعَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا} الْآيَة يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَحِقّ