وَيَجْعَلُ الْبَاقِي فِي مَصَالِحِ الدِّينِ وَمَنَافِعِ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ إِلَّا الْخُمْسُ وَالْخُمْسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ (ثُمَّ دَنَا) أَيْ قَرُبَ (وَبَرَةً) بِفَتَحَاتٍ أَيْ شَعْرَةً (وَلَا هَذَا) يُشِيرُ إِلَى مَا أَخَذَ
قَالَ الطِّيبِيُّ وَلَا هَذَا تَأْكِيدٌ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْوَبَرَةِ عَلَى تَأْوِيلِ شَيْءٍ (وَرَفَعَ أُصْبُعَيْهِ) أَيْ وَقَدْ رَفَعَ إِصْبَعَيْهِ اللَّتَيْنِ أَخَذَ بِهِمَا الْوَبَرَةَ (إِلَّا الْخُمْسَ) ضُبِطَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فَالرَّفْعُ عَلَى الْبَدَلِ وَالنَّصْبُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ (وَالْخُمْسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ) أَيْ مَصْرُوفٌ فِي مَصَالِحِكُمْ مِنَ السِّلَاحِ وَالْخَيْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (فَأَدُّوا الْخِيَاطَ) بِكَسْرِ الْخَاءِ أَيِ الْخَيْطَ أَوْ جَمْعَهُ (وَالْمِخْيَطَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ هُوَ الْإِبْرَةُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَلِيلَ مَا يُغْنَمُ وَكَثِيرَهُ مَقْسُومٌ بَيْنَ مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَبِدَّ مِنْهُ بِشَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ إِلَّا الطَّعَامَ الَّذِي قَدْ وَرَدَتْ فِيهِ الرُّخْصَةُ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى مُخْتَصَرًا (فِي يَدِهِ كُبَّةٌ) بِضَمِّ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ قِطْعَةٌ مكبكبة من غزل شعر (برذعة) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَقِيلَ بِالْمُعْجَمَةِ وَفِي الْقَامُوسِ إِهْمَالُ الدَّالِ أَكْثَرُ وَفِي الْمُغْرِبِ هِيَ الحلس الذي تحت رحل البعير
قاله القارىء (أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكَ) أَيْ أَمَّا مَا كَانَ نَصِيبِي وَنَصِيبَهُمْ فَأَحْلَلْنَاهُ لَكَ وَأَمَّا مَا بَقِيَ مِنْ أَنْصِبَاءِ الْغَانِمِينَ فَاسْتِحْلَالُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ (فَقَالَ) أَيِ الرَّجُلُ (أَمَّا إِذَا بَلَغَتْ) أَيْ وَصَلَتِ الْكُبَّةُ (مَا أَرَى) أَيْ إِلَى مَا أَرَى مِنَ التَّبِعَةِ وَالْمُضَايَقَةِ أَوْ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ (فَلَا أَرَبَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ أَيْ لَا حَاجَةَ (وَنَبَذَهَا) أَيْ أَلْقَاهَا
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى مَا تَرْجَمَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَا مُحَصِّلُهُ إِنَّ فِي حَدِيثِ جبير وحديث بن عباس وحديث بن مَسْعُودٍ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِي الْأُسَارَى الْبَالِغِينَ إِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِمْ وَأَطْلَقَهُمْ مِنْ غَيْرِ فِدَاءٍ وَإِنْ شَاءَ فَادَاهُمْ بِمَالٍ مَعْلُومٍ وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ يَفْعَلُ مَا هُوَ أَحْفَظُ لِلْإِسْلَامِ وَأَصْلَحُ لِأَمْرِ الدِّينِ
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ وَإِنْ شَاءَ فَادَاهُمْ وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَقَّهُمْ وَلَا يَمُنُّ عَلَيْهِمْ فَيُطْلِقُهُمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ
وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمَنَّ خَاصٌّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ غَيْرِهِ
قَالَ وَالتَّخْصِيصُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِدَلِيلٍ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى إذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ