للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ وَلَيْسَ عَلَى الْوُجُوبِ قَوْلُهَا فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي ثُمَّ قَلَّدَهَا ثُمَّ بَعَثَ بِهَا وَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ اللِّبَاسُ وَالطِّيبُ كَمَا يَحْرُمَانِ عَلَى الْمُحْرِمِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْحَتْمِ وَالْإِيجَابِ انْتَهَى

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه بمعناه

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

خَاصَّة فَأَيّ مُنَافَاة بَيْنهمَا وَلِهَذَا كَانَ أَحْمَد وَغَيْره يَعْمَل بِكِلَا الْحَدِيثَيْنِ هَذَا فِي مَوْضِعه وَهَذَا فِي مَوْضِعه

وَقَدْ سَأَلَ الْإِمَام أَحْمَد أَوْ غَيْره عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَقَالَ هَذَا لَهُ وَجْه وَهَذَا لَهُ وَجْه

وَلَوْ قُدِّرَ بِطَرِيقِ الْفَرْض تَعَارُضهمَا لَكَانَ حَدِيث أُمّ سَلَمَة خَاصًّا وَحَدِيث عَائِشَة عَامًّا

وَيَجِب تَنْزِيل الْعَامّ عَلَى مَا عَدَا مَدْلُول الْخَاصّ تَوْفِيقًا بَيْن الْأَدِلَّة

وَيَجِب حَمْل حَدِيث عَائِشَة عَلَى مَا عَدَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيث أُمّ سَلَمَة فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَل مَا نَهَى عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا

وَأَيْضًا فَعَائِشَة إِنَّمَا تَعْلَم ظَاهِر مَا يُبَاشِرهَا بِهِ أَوْ يَفْعَلهُ ظَاهِرًا مِنْ اللِّبَاس وَالطِّيب

وَأَمَّا مَا يَفْعَلهُ نَادِرًا كَقَصِّ الشَّعْر وَتَقْلِيم الظُّفْر مِمَّا لَا يُفْعَل فِي الْأَيَّام الْعَدِيدَة إِلَّا مَرَّة

فهي لم تخبر بوقوعه منه صلى الله عليه وسلم فِي عَشْر ذِي الْحِجَّة وَإِنَّمَا قَالَتْ لَمْ يَحْرُم عَلَيْهِ شَيْء

وَهَذَا غَايَته أَنْ يَكُون شَهَادَة عَلَى نَفْي فَلَا يُعَارِض حَدِيث أُمّ سَلَمَة

وَالظَّاهِر أَنَّهَا لَمْ تُرِدْ ذَلِكَ بِحَدِيثِهَا وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَاحْتِمَال تَخْصِيصه قَرِيب فَيَكْفِي فِيهِ أَدْنَى دَلِيل

وَخَبَر أُمّ سَلَمَة صَرِيح فِي النَّهْي فَلَا يَجُوز تَعْطِيله أَيْضًا

فَأُمّ سَلَمَة تُخْبِر عَنْ قَوْله وَشَرْعه لِأُمَّتِهِ فَيَجِب اِمْتِثَاله

وَعَائِشَة تُخْبِر عَنْ نَفْي مُسْتَنِد إِلَى رُؤْيَتهَا وَهِيَ إِنَّمَا رَأَتْ أَنَّهُ لَا يَصِير بِذَلِكَ مُحْرِمًا يَحْرُم عَلَيْهِ مَا يَحْرُم عَلَى الْمُحْرِم

وَلَمْ تُخْبِر عَنْ قَوْله إِنَّهُ لَا يَحْرُم عَلَى أَحَدكُمْ بِذَلِكَ شَيْء

وَهَذَا لَا يُعَارِض صَرِيح لَفْظه

وَأَمَّا رَدّ الْحَدِيث بِالْقِيَاسِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ قِيَاس فَاسِد مُصَادِم لِلنَّصِّ لَكَفَى ذَلِكَ فِي رَدّ الْقِيَاس وَمَعْلُوم أَنَّ رَدّ الْقِيَاس بِصَرِيحِ السُّنَّة أَوْلَى مِنْ رَدّ السُّنَّة بِالْقِيَاسِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق

كَيْف وَأَنَّ تَحْرِيم النِّسَاء وَالطِّيب وَاللِّبَاس أَمْر يَخْتَصّ بِالْإِحْرَامِ لَا يَتَعَلَّق بِالضَّحِيَّةِ وَأَمَّا تَقْلِيم الظُّفْر وَأَخْذ الشَّعْر فَإِنَّهُ مِنْ تَمَام التَّعَبُّد بِالْأُضْحِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَوَّل الْبَاب

<<  <  ج: ص:  >  >>