عَبَّاسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ مَرْفُوعًا
وَقَالَ غَيْرُهُ رَوَاهُ بَعْضُ النَّاسِ يُفْرَضُ لَهُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةً يَعْنِي بِنَصْبِ الذَّكَاةِ الثَّانِيَةِ لِيُوجِبَ ابْتِدَاءَ الذَّكَاةِ فِيهِ إِذَا خَرَجَ وَلَا يَكْتَفِي بِذَكَاةِ أُمِّهِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا هُوَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ بِرَفْعِ الثَّانِيَةِ كَرَفْعِ الْأُولَى خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَالْمَحْفُوظُ عَنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ الرَّفْعُ فِيهِمَا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ مَا يُبْطِلُ هَذَا التَّأْوِيلَ وَيَدْحَضُهُ فَإِنَّهُ تَعْلِيلٌ لِإِبَاحَتِهِ مِنْ غير إحداث ذكاة
وقال بن الْمُنْذِرِ لَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ الْجَنِينَ لَا يُؤْكَلُ إِلَّا بِاسْتِئْنَافِ الذَّكَاةِ فِيهِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
قَالَ وَلَا أَحْسَبُ أَصْحَابَهُ وَافَقُوا عَلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
مَعَ أَنَّهُ خِلَاف رِوَايَة النَّاس وَأَهْل الْحَدِيث قَاطِبَة فَهُوَ أَيْضًا مُمْتَنِع فَإِنَّ الْمَصْدَر لَا بُدّ لَهُ مِنْ فِعْل يَعْمَل فِيهِ فَيُؤَوَّل التَّقْدِير إِلَى ذَكُّوا ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أُمّه وَيَصِير نَظِير قَوْلك ضَرْب زَيْد ضَرْب عَمْرو تنصبهما
وَتَقْدِيره اِضْرِبْ ضَرْب زَيْد ضَرْب عَمْرو وَهَذَا إِنَّمَا يَكُون فِي الْمَصْدَر بَدَلًا مِنْ اللَّفْظ بِالْفِعْلِ إِذَا كَانَ مُنْكَرًا نَحْو ضَرْبًا زَيْد أَيّ ضَرْب زَيْد
وَلِهَذَا كَانَ قَوْلك ضَرْبًا زَيْدًا كَلَامًا تَامًّا وَقَوْلك ضَرْب زَيْد لَيْسَ بِكَلَامٍ تَامّ فَإِنَّ الْأَوَّل يَتَضَمَّن اِضْرِبْ زَيْدًا بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ مُفْرَد فَقَطْ فَيُعْطِي ذَلِكَ مَعْنَى الْجُمْلَة فَأَمَّا إِذَا أَضَفْته وَقُلْت ضَرْب زَيْد فَإِنَّهُ يَصِير مُفْرَدًا وَلَا يَجُوز تَقْدِيره بِاضْرِبْ زَيْد وَيَدُلّ عَلَى بُطْلَانه الْوَجْه السَّابِع وَهُوَ أَنَّ الْجَنِين إِنَّمَا يُذَكَّى مِثْل ذَكَاة أُمّه إِذَا خَرَجَ حَيًّا وَحِينَئِذٍ فَلَا يُؤْكَل حتى يذكى ذكاة مستقبلة لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَهُ حُكْم نَفْسه وَهُمْ لَمْ يَسْأَلُوا عَنْ هَذَا وَلَا أُجِيبُوا بِهِ فَلَا السُّؤَال دَلَّ عَلَيْهِ وَلَا هُوَ جَوَاب مُطَابِق لِسُؤَالِهِمْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا نَذْبَح الْبَقَرَة أَوْ الشَّاة فِي بَطْنهَا الْجَنِين أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلهُ فَقَالَ كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاته ذَكَاة أُمّه فَهُمْ إِنَّمَا سَأَلُوهُ عَنْ أَكْله أَيَحِلُّ لَهُمْ أَمْ لَا فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ وَأَزَالَ عَنْهُمْ مَا عَلِمَ أَنَّهُ يَقَع فِي أَوْهَامهمْ مِنْ كَوْنه مَيْتَة بِأَنَّهُ ذُكِّيَ بِذَكَاةِ الْأُمّ
وَمَعْلُوم أَنَّ هَذَا الْجَوَاب وَالسُّؤَال لَا يُطَابِق ذَكُّوا الْجَنِين مِثْل ذَكَاة أُمّه بَلْ كَانَ الْجَوَاب حِينَئِذٍ لَا تَأْكُلُوهُ إِلَّا أَنْ يَخْرُج حَيًّا فَذَكَاته مِثْل ذَكَاة أُمّه وَهَذَا ضِدّ مَدْلُول الْحَدِيث وَاَللَّه أَعْلَم
وَبِهَذَا يُعْلَم فَسَاد مَا سَلَكَهُ أبو الفتح بن جِنِّيّ وَغَيْره فِي إِعْرَاب هَذَا الْحَدِيث حَيْثُ قَالُوا ذَكَاة أُمّه عَلَى تَقْدِير مُضَاف مَحْذُوف أَيّ ذَكَاة الْجَنِين مِثْل ذَكَاة أُمّه
وَحَذْف الْمُضَاف وَإِقَامَة الْمُضَاف إِلَيْهِ مَقَامه كَثِير وَهَذَا إِنَّمَا يَكُون حَيْثُ لَا لَبْس وَأَمَّا إِذَا أَوْقَعَ فِي اللَّبْس فَإِنَّهُ تَمْتَنِع وَمَا تَقَدَّمَ كَافٍ فِي فَسَاده وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق