مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا إِذْ لَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ قَوْلُهُ وَكَفَّارَتُهُ إِلَخْ بَلْ مَعْنَاهُ لَيْسَ فِيهِ وَفَاءٌ وَهَذَا هُوَ صَرِيحٌ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ (وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ انْتَهَى
وَفِي الْمِرْقَاةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ وَقَالَ غَيْرُهُ لَمْ يَسْمَعْهُ الزُّهْرِيُّ من أبي سلمة وإنما سَمِعَهُ مِنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ أرقم متروك
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الثَّانِي أَنَّهُ شَبَّهَهُ بِالْيَمِينِ وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى الْمَعْصِيَة وَحَنِثَ لَزِمَهُ كَفَّارَة يَمِين بَلْ وُجُوب الْكَفَّارَة فِي نَذْر الْمَعْصِيَة أَوْلَى مِنْهَا فِي يَمِين الْمَعْصِيَة لِمَا سَنَذْكُرُهُ
قَالُوا وَوُجُوب الْكَفَّارَة قَوْل عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود وَجَابِر بْن عَبْد اللَّه وَعِمْرَان بْن حُصَيْنٍ وَسَمُرَة بْن جُنْدَب وَلَا يُحْفَظ عَنْ صَحَابِيّ خِلَافهمْ
قَالُوا وَهَبْ أَنَّ هَذِهِ الْآثَار لَمْ تَثْبُت فَالْقِيَاس يَقْتَضِي وُجُوب الْكَفَّارَة فِيهِ لِأَنَّ النَّذْر يَمِين وَلَوْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ الْخَمْر أَوْ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَة الْيَمِين وَإِنْ كَانَتْ يَمِين مَعْصِيَة فَهَكَذَا إِذَا نَذَرَ الْمَعْصِيَة
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْمِيَة النَّذْر يَمِينًا لَمَّا قَالَ لِأُخْتِ عُقْبَة لَمَّا نَذَرَتْ الْمَشْي إِلَى بَيْت اللَّه فَعَجَزَتْ تُكَفِّر يَمِينهَا وَهُوَ حَدِيث صَحِيح وَسَيَأْتِي
وَعَنْ عُقْبَة مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا النَّذْر حَلْفَة
وَقَالَ بن عَبَّاس فِي اِمْرَأَة نَذَرَتْ ذَبْح اِبْنهَا كَفِّرِي يَمِينك
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّذْر دَاخِل فِي مُسَمَّى الْيَمِين فِي لُغَة مَنْ نَزَلَ الْقُرْآن بِلُغَتِهِمْ
وَذَلِكَ أَنَّ حَقِيقَته هِيَ حَقِيقَة الْيَمِين فَإِنَّهُ عَقَدَهُ لِلَّهِ مُلْتَزِمًا لَهُ كَمَا أَنَّ الْحَالِف عَقَدَ يَمِينه بِاَللَّهِ مُلْتَزِمًا لِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ بَلْ مَا عَقَدَ لِلَّهِ أَبْلَغ وَأَلْزَم مِمَّا عَقَدَ بِهِ فَإِنَّ مَا عَقَدَ بِهِ مِنْ الْأَيْمَان لَا يَصِير بِالْيَمِينِ وَاجِبًا فَإِذَا حَلَفَ عَلَى قُرْبَة مُسْتَحَبَّة لَيَفْعَلَنَّهَا لَمْ تَصِرْ وَاجِبَة عَلَيْهِ وَتُجْزِئهُ الْكَفَّارَة وَلَوْ نَذَرَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ تُجْزِئهُ الْكَفَّارَة
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِالْتِزَام بِالنَّذْرِ آكَد مِنْ الِالْتِزَام بِالْيَمِينِ فَكَيْف يُقَال إِذَا اِلْتَزَمَ مَعْصِيَة بِيَمِينِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَإِذَا اِلْتَزَمَهَا بِنَذْرِهِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنْ الْيَمِين فَلَا كَفَّارَة فِيهَا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَة إِلَّا هَذَا وَحْده لَكَانَ كافيا